(صوت رايق يحكى الحكاية فى لا مبالاة): زمان. زمان أوى. قبل ما يتولد أى واحد فينا. من سبعتلاف سبعميت سنة كنا كلنا ولاد حوا وآدم. الخير كتير والناس قليلة ومبسوطة. لكن طبعا زى ما أنتم عارفين كلكم دوام الحال من المحال. بمرور الزمن حصلت تغيرات عميقة وابتدا الناس يختلفوا ويتميزوا. ناس طلعت فوق وناس نزلت تحت (تظهر على الشاشة صورة كاريكاتيرية لناس تسقط وناس تصعد). تقسيمات كتيرة حصلت من وقتها على أساس اللون: إشى أبيض وإشى إسود (تتوالى الصور على الشاشة لرجل أسود وامرأة بيضاء)، وإشى أصفر وإشى أحمر (وجه آسيوى ووجه هندى أحمر يدخن الغليون). ده غير تقسيمات الأجناس بين سامى وحامى، والدين بين مسلم ونصرانى، والمقاس بين طويل وقصير، وتخين ورفيع ( صورة لامرأة بدينة وأخرى رشيقة). وخطوط عرض وطول، ولغات ولهجات، ومرتفعات ومنخفضات، ورجالة وستات، وواحد دمه تقيل وواحد دمه شربات. الناس بعد ما كانت متساوية زى أسنان المشط، معدش فيه مشط ولا عدش فيه أسنان! ■ ■ ■ ولأن مصر طول عمرها ولادة، ظهرت فيها تقسيمة مستمدة من البيئة!. (وهنا يظهر فى صوت الراوى استمتاع واضح) البط! أيوه البط يا سيدى (وهنا تظهر على الشاشة صورة ترعة وريف مصرى منبسط بالخضرة وبطة بيضا بتتدلع مع رنة ضحكة مكتومة فى صوت الراوى) فاكر زمان لما كنت تروح الريف وتشوف البطة البيضا ماشية بتتمخطر ولسان حالها بيقول: يا أرض اتهدى ما عليك قدى، ووراها أولادها ماشيين فى فخر واعتزاز. لكن فى الجانب التانى فيه بط- يا عينى- بيعانى (وهنا تظهر صورة بطة سوداء منهارة نفسياً، ويتلون صوت الراوى بحزن مصطنع) البطة السودا ماشية على جنب الترعة من غير ما حد يعبرها، مسكينة وغلبانة وبتجرى على أكل عيشها، ووراها أولادها آخر غلب وبهدلة. نفس التقسيمة دى موجودة عندنا فى البشر. الناس فى مصر صنفان: أولاد البطة البيضا وأولاد البطة السودا. (وهنا يصبح صوت الراوى محايدا تماما) والفرق الكبير بينهم بيبتدى قبل الولادة (وهنا تظهر صورة مخدع وثير أبيض اللون ملىء بالوسادات المخملية ترقد عليها امرأة جميلة مدللة) دى يا سيدى بطة بيضا، حامل فى الشهر التاسع، جنبها طبق تفاح، بتدلع طبعاً على اعتبار إن الولادة عمل بطولى. والولادة حتكون فى لندن لزوم الجنسية الأجنبية، وبعدها يرجع الباشا الصغير عشان يتمتع بخير البلد. أما البطة السودا (ويتلون صوته بالأسف مع ظهور سيدة حامل مكافحة تشق طريقها فى الأتوبيس ببطنها، تنط من الأتوبيس وهى بتسند بطنها بإيد ومتشعلق فى ديلها تلات عيال) فمكتوب عليها الشقا هى وأولادها المساكين. حيعيشوا فى الزبالة، حيمشوا فى المجارى، حيموتوا مفلسين. ■ ■ ■ (من كتاب «أولاد البطة السودا» تأليف: د. أيمن الجندى، الناشر: دار ميريت) [email protected]