كثيراً ما يقال إن المطار هو عنوان أى بلد، ومن شكله تأخذ فكرة عما يجرى داخل هذا البلد، والقاهرة بها الآن المطار القديم الذى تم تجديده، والجديد الذى لم يكن جديداً فى أى يوم، وأصبح حالياً للطيران الداخلى، وأخيراً المطار الجديد الحقيقى الممتلئ بصالات فخمة ومستوى جيد من النظافة، ومحال تبيع مختلف أنواع الأطعمة، وأخرى تبيع ملابس لأحدث الماركات العالمية، وإثبات «الشياكة» فهى تباع عادة بأسعار أعلى من نظيرتها فى المطارات العالمية. غذاء البطون حاضر فى كل ركن من أركان المطار الجديد، و«ألوان الهدوم» تكتظ بها جنبات المطار المختلفة حتى غاب معهما غذاء العقول، فالمطار بُنى بدون مكتبة واحدة حتى الشهر الماضى حين تذكر البعض أنه يجب أن تكون هناك مكتبة شيك فاختاروا ركناً صغيراً لمكتبة الديوان لاتزال بلا صحف ولا كتب حتى الأسبوع المقبل، كما قال الأستاذ أحمد مدير الأشغال فى المطار، الذى كان موجودا بالصدفة لحظة سؤالى عن غياب الكتب والجرائد. مطار يبنى بلا مكتبة مستحيل أن تجده فى أى مكان فى العالم إلا فى مصر، ومطار يُبنى ويضع اللغة الإنجليزية فوق لغة البلد الرسمية، أى العربية، خطيئة لا تجدها أيضاً إلا فى مصر. إن هذا المشهد مستحيل أن نراه فى أى بلد يحترم نفسه ولا يهين شعبه ولغته الوطنية، فكل إشارات مطار القاهرة مكتوبة أولا باللغة الإنجليزية ثم بعد ذلك افتكروا ووضعوا «العربية» تحتها. أتحدى رؤية هذا المشهد فى أى بلد فى العالم، حتى تلك البلدان التى عُرفت بانفتاحها على اللغات الأجنبية بصورة أكبر بكثير من مصر، فمستحيل أن نرى هذا المشهد فى مطار رفيق الحريرى فى لبنان، أو محمد الخامس فى المغرب، أو هوارى بومدين فى الجزائر، فاللغة العربية أولاً وفوق أى لغة أجنبية أخرى. والأصعب والأكثر قسوة أن لوحات المغادرة والوصول كُتبت جميعها وبلا استثناء باللغة الإنجليزية، ولا توجد لوحة واحدة كُتبت باللغة العربية احتراما للغة البلد الذى بنى على أرضه المطار. هل يمكن أن نرى هذا المشهد فى أى بلد فى العالم إلا فى مصر؟ وهل الذين بنوا هذا المطار مصريون مثلنا يفكرون فيما نفكر ويستفزهم ما يستفزنا؟ وهل أصبحنا فى يوم وليلة شعبا عبقريا امتلك ناصية اللغات الأجنبية ونسى العربية، أم أنه نوع من الفوضى والاستهتار المهين الذى وصل لحد الاستهزاء بالمواطن المصرى الذى يشعر فى مطار بلده بأنه أجنبى؟ نعم مطار القاهرة الجديد عاكس لقيم المجتمع المصرى الجديد، فالمواطن المصرى غير مهم، لأنه ليس رقما فى أى معادلة، فليس مهما أن تكتب بلغته الوطنية، لأن المهم أن «نكرم السائح» والمصرى «الشيك» الذى يعرف «إنجليش» حتى لو على حساب كل ما له علاقة بأبجديات احترام النفس والكرامة الوطنية. [email protected]