رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد تخرج دورات جديدة من دارسى الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية.. شاهد    محافظ الفيوم يهنئ الرئيس عبدالفتاح السيسي بالعام الهجري الجديد    البطريرك يوحنا العاشر يتلقى تعازي بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا    بنك التنمية الصناعية يكشف نتائج أعماله لعام 2024    الإغاثة الفلسطينية: الأوضاع بقطاع غزة تدهورت خلال انشغال العالم بحرب إيران وإسرائيل| فيديو    مسار يحدد موعد معسكر المغرب استعدادًا لتصفيات شمال إفريقيا    منتخب مصر لكرة السلة يشارك في البطولة الدولية الودية الثانية بالصين    أخبار الطقس في الكويت اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025    بعد غياب 9 سنوات.. شيرين عبدالوهاب تعود إلى مهرجان "موازين"    البنك الدولي يوافق على مشروع ب930 مليون دولار في العراق    تشكيل لجنة لتسيير أعمال جامعة القاهرة الأهلية.. الأعضاء والمهام    الأونروا: نواجه وضعا مروّعا يعيشه الفلسطينيون بقطاع غزة    الرئيس السيسي يؤكد لنظيره الإيراني رفض مصر للهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف قطر    بنك ناصر يدعم أطفال الشلل الدماغي بأحدث الأجهزة المستخدمة في تأهيل المرضى    قرار جمهوري بتعيين سلافة جويلي مديرا للأكاديمية الوطنية للتدريب    حارس الأهلي يصدم بيراميدز.. التفاصيل كاملة    "المدرب الجديد والصفقات".. اجتماع طارئ لمجلس إدارة الزمالك    صندوق الاسكان الاجتماعي يبحث التعاون مع "المتحدة" للخدمات الإعلامية    تطور قضائي بشأن السيدة المتسببة في حادث دهس "النرجس"    محافظ الجيزة يتابع ميدانياً جهود إطفاء حريق بمخزن دهانات بمنطقة البراجيل بأوسيم    القبض على صاحب فيديو سرقة سلسلة ذهبية من محل صاغة بالجيزة    كشف غموض اندلاع حريق في مخزن مواسير بلاستيك بسوهاج    النيابة العامة تؤكد استمرار تصديها للوقائع المتضمنة انتهاكات للقيم والمجتمع    المشاط تبحث مع المنتدى الاقتصادي العالمي تفعيل خطاب نوايا «محفز النمو الاقتصادي والتنمية»    أستاذ بالأزهر يحذر من انتشار المرض النفسي خاصة بين البنات والسيدات    رابط رسمي.. نتائج امتحانات نهاية العام في كليات جامعة أسيوط    المؤتمر الطبى الأفريقى .. عبدالغفار يشيد بجهود"الرعاية الصحية" في السياحة العلاجية والتحول الرقمي    توريد 3 أجهزة طبية لمعامل مستشفى الأطفال بأبو حمص بتكلفة 4 ملايين جنيه    وزير الرياضة: منتخب اليد يستحق جهازا فنيا على أعلى مستوى    النصر يعلن رسميًا رحيل مدربه بيولي    بحكم القانون.. كيف يمكنك الغياب عن العمل وتقاضي أجرك كاملًا؟    اليوم... فصل الكهرباء عن قرية كوم الحجنة وتوابعها بكفر الشيخ    رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى يلتقى كبير مستشاري دونالد ترامب لشئون أفريقيا    مسؤول إسرائيلي: التقارير التي تتحدث عن عدم تعرض المنشآت النووية الإيرانية لأضرار كبيرة "لا أساس لها من الصحة"    الأمم المتحدة: 18741 طفلا في غزة يتلقون العلاج من سوء التغذية    الترجي ضد تشيلسي.. الجماهير التونسية تتألق برسائل فلسطين في مونديال الأندية    تحرير 145 محضرًا للمحال المخالفة لقرارات ترشيد الكهرباء    وزيرة التخطيط تلتقى ممثلى مجتمع الأعمال الصينى خلال المنتدى الاقتصادي العالمي    ثنائيات فنية تعود للتعاون بعد غياب.. أبرزها منى زكي وهنيدي    عبلة كامل تحتل صدارة التريند على السوشيال ميديا.. ما السبب؟    محافظ القاهرة يبحث مع وزير الثقافة تحويل حديقة الأندلس لمركز فنى وثقافى    لا تُحب التعقيد وتُفضل الوضوح في علاقاتها.. 5 أبراج بسيطة في التعامل    قصر ثقافة العريش يحتفل بثورة 30 يونيو بعروض فنية ومسرحية توعوية مميزة    «مرعب أطفال التسعينيات».. عماد محرم بدأ مسيرته ب«العفاريت» وأنهاها ب«عوالم خفية»    41 شهيدا منذ فجر اليوم فى غزة.. بينهم 14 تم استهدافهم خلال انتظار المساعدات    الموجة 26 للتعديات.. مدن الأقصر تنفذ حملات إزالة ل54 حالة تعد على أملاك الدولة    «دعاء السنة الهجرية».. ماذا يقال في بداية العام الهجري؟    وزير الصحة: نسعى لبناء أجيال قادرة على المنافسة وتحقيق التنمية الشاملة    شيخ الأزهر: مستعدون لافتتاح مركز لتعليم اللغة العربية في كندا    الزمالك ينتظر رد محمد شريف النهائى للانضمام للفريق    «الرعاية الصحية» توقع بروتوكولات تعاون مع كيانات رائدة في السياحة العلاجية    وزارة الصحة تعلن عن تخريج الدفعة الثانية من دبلومة طب الأزمات والكوارث    كيف بدأ التقويم الهجري مع العرب؟.. أستاذة تاريخ إسلامي توضح    صور جديدة تظهر الأضرار اللاحقة بمنشآت فوردو وأصفهان ونطنز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 25-6-2025 في محافظة قنا    رسميًا درجات تنسيق الثانوية العامة 2025 في بورسعيد.. سجل الآن (رابط مباشر)    «تمركزه خاطئ.. ويتحمل 3 أهداف».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على محمد الشناوي    أجمل رسائل تهنئة رأس السنة الهجرية 1447.. ارسلها الآن للأهل والأصدقاء ولزملاء العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساعتان قبل الإقلاع
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 01 - 2011

يسألونك عن نموذج من نماذج العولمة، قل هى ما تراه وتمارسه فى أى مطار بالعالم: هى أن تنفذ إرشادات ينفذها أى زائر للمطار وأن تجد كل العاملين يرتدون أزياء متماثلة وإن اختلفت الألوان، وأن تقف أمام «كاونتر» ليزنوا حقائبك ويراجعوا بطاقة سفرك، وأن تصطف فى طابور حتى تصل إلى رجل أمن فى قفص زجاجى يختم على جواز سفرك، وأن تجلس فى قاعة تنتظر موعد الإقلاع، إن فعلت هذا فى مطار بلدك، فستفعله فى مطار بلد آخر وبلد ثالث ورابع.. هذه هى العولمة، هى أن يتشابه سلوك الناس فيؤدوا وظائف متماثلة ويخضعوا لقواعد أو قيم عالمية واحدة، يشذ بعضهم أحيانا أو دائما ولكن تبقى القواعد محصنة ضد التأثيرات المحلية أو التقليدية..
أغلب الطائرات من طينة واحدة وتزويق متشابه، والطيارون وضباط المراقبة فى أبراج المطارات كافة يتحدثون اللغة ذاتها ويستخدمون رموزا واحدة، والمضيفات يرتدين زيا موحدا. وإن تمعنت وتمهلت عند تناول الطعام ستجد أن الوجبات كافة لها نفس المذاق، وجبة العشاء نسخة من وجبة الغداء، ولا فارق كبيرا فى الطعم، وإن اختلف الشكل، بين وجبة عشاء على طائرة فرنسية ووجبة عشاء على طائرة مصرية.
●●●
تسوقنى إلى حديث الطيران تجربة رحلة قمت بها مؤخرا مررت خلالها بأربع مطارات. لم أقابل ما يستحق المقارنة، باستثناء مستوى النظافة وبخاصة نظافة دورات المياه والمسئولين عنها. وباستثناء آخر وهو مستوى الحرص على المال العام فقد رأيت موظفات فى مطار يتناوبن مرارا على التهام وتسريب السندويتشات والحلوى المخصصة لركاب الدرجة الأولى.
لاحظت أن المطارات التى نزلت فيها أو خرجت منها ازدادت تشابها مما ربما يشير إلى أن العولمة ما زالت حية. صارت المطارات مزيجا من أسواق تجارية وثكنات عسكرية، ففى كل مطار من هذه المطارات وبعد أن أنهيت إجراءات التسجيل والوزن وبعض إجراءات الأمن، وجدت نفسى محشورا بين عشرات الألوف من الناس أمشى فى طريق طويل تحفه من الجانبين محل تجارية و«مقاهى» ومطاعم و«ملاهى»، والناس من حولى يتدافعون تدافع الحجاج وأغلبهم يحملون مشترياتهم فى أكياس بلاستيكية تشابهت تفاصيلها واختلفت أحجامها. وبين الناس يندس ضباط أمن فى ملابسهم الرسمية، وبعضهم يحمل أسلحة تبدو فتاكة، ومن حولهم مخبرات ومخبرون فى ملابس مدنية، يظنون أنهم متخفون وهم فى الحقيقة مفضوحون لا تخطئهم عيون الفاحصين والمجربين.
●●●
أذكر أن شركات الطيران فى زمن راح كانت تلح على أن نكون بالمطار قبل ثلاثين دقيقة من موعد الإقلاع، لا أكثر، وكانت كافية. فالمطارات كانت صغيرة والإجراءات يسيرة والشكوك قليلة. وكان بالمطار كشك لبيع الصحف و«كاونتر» يصطف أمامه عدد من الموائد والمقاعد ويقف نادل يعرض المشروبات والسندوتشات. وكان هناك كشك لبيع منتجات الأشغال اليدوية والتقليدية ومكتب أو اثنان لشرطة الجوازات بدون كمبيوتر أو كشاف. أذكر أيضا أننى هبطت ذات مرة بمطار فى إمارة خليجية لم نجد به ماء نشربه أو مكانا يتسع لعشرين راكبا اضطرتهم ظروف مناخية للهبوط بعد الغروب فقضوا الليل يتبادلون الوقوف والجلوس. حدث هذا وأنا فى طريقى إلى الهند. عدت إلى هذا المطار بعد أعوام عديدة، أقصد عدت إلى مطار يحتل الموقع ذاته، وكان فى انتظارى صديق من المواطنين أبلغنى عن توسعات فى المطار تجرى ليستوعب سبعين مليونا من الركاب فى العام وهو الذى لم يستوعب عشرين مسافرا قبل ثلاثة عقود.
أنت فى المطار محشور بين ركاب من جميع الجنسيات فى طريق بطول أميال غير قليلة لا بد أن تسلكه لتصل إلى باب الرحيل. تتعب فتجلس لتتناول مشروبا أو طعاما أو تدخل لتشترى وتحمل أكياسا تمشى بها مثل غيرك من المشاة، وتسأل عن العبقرى الذى صاغ هذه الملحمة الفذة. بفضله تحولت المطارت إلى «مولات» إجبارية يتعين على الراكب أن يقضى فيها ساعتين على الأقل قبل إقلاع طائرته. تفتق ذهن هذا العبقرى عن فكرة الساعتين ذات صباح عندما اصطدمت طائرتان ببرجى التجارة الدولية، ومن يومها، تقرر التعامل مع جميع ركاب الطائرات باعتبارهم إرهابيين محتملين وفى حقائبهم يحملون صواريخ ومتفجرات، وعندما قرر راكب ارتداء ملابس داخلية محشوة بمواد قابلة للتفجير، وابتكر راكب آخر فكرة حشو حذائه بها، هبت شركات متخصصة فاخترعت كشافات إلكترونية يتعرى أمامها الراكب أو تتولى هى تعريته ليتفرج ضباط وضابطات أمن على تفاصيل جسمه وما يمكن أن يكون قد دسه فى ثناياه وفى أحشائه.
بفضل هذا العبقرى حصلت قاعدة انتظار الساعتين داخل المطار قبل إقلاع الطائرة على الشرعية اللازمة، واطمأنت الشركات التجارية الكبرى إلى أن مئات الألوف من الزبائن المحتملين هم الآن فى وضع المعتقلين داخل المطار وهم فى الوقت نفسه رهن مشيئتها لمدة ساعتين على الأقل. بمعنى آخر اطمأنت إلى وجود معين لا ينضب من زبائن إما مكتئبين وغاضبين بعد أن خدشت السلطات الأمنية كرامة أجسادهم وجرحت كبرياءهم، أو هم نساء ورجال وأطفال نال منهم الملل لطول الانتظار فى المطار، كلهم صيد ثمين فى سوق تجارية لا مهرب منها.
●●●
اطلعت على خطط لإقامة مطارات جديدة تجرى إقامة أربعة منها فى مدن أمريكية. أحدها جار العمل فيه فى مدينة سان فرانسيسكو. الهدف الذى يركز على تحقيقه المخططون هو تشجيع الركاب على قضاء وقت أطول فى المطار وتوفير الراحة لهم. يفكرون فى إقامة حمامات سباحة وصالات لممارسة الرياضة وغرف مريحة ليرتدى فيها الركاب ملابسهم التى خلعها عنهم رجال ونساء الأمن، وقاعات للاستماع للموسيقى وأماكن عبادة.
أتصور أن القائمين على هذه الخطط قاموا بدراسة أمرين على الأقل دراسة عميقة، الأمر الأول هو احتمالات الزيادة المستمرة فى عدد مستخدمى الطيران كوسيلة نقل فى المستقبل، والأمر الثانى هو احتمالات الزيادة المستمرة فى عدد أعمال إرهابية حقيقية أو مصطنعة. إن التوسعات المتوقعة فى معظم مطارات العالم والتفنن فى تطوير وسائل الراحة والرفاهة فيها لن تجد مبررا لها سوى الزيادة المطردة فى توقعات الإرهاب، فبدونه لا يوجد ما يبرر استمرار العمل بقاعدة الوصول إلى المطار قبل ساعتين من موعد اقلاع الطائرة، وبدون هاتين الساعتين لا ضرورة اقتصادية تدفع لإقامة نشاط تجارى فى المطارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.