قرار جمهورى بتشكيل مجلس أمناء الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب    ونش نقل أثاث.. محافظة الدقهلية تكشف أسباب انهيار عقار من 5 طوابق    تضامن المنيا: توزيع 56 ألف كيلو لحوم أضاحي و60 عجلا بلديا على الأسر المستحقة خلال عيد الأضحى    توقعات الانتخابات الهندية تشير إلى فوز مودي بأغلبية ضئيلة    قيادي بحماس ينتقد دعوات واشنطن والغرب للحركة لقبول اقتراح بايدن بشأن غزة    الحصول على مياه صالحة للشرب.. رحلة صراع يومية لسكان غزة    مصدر من المصري يكشف ل في الجول احتمالية حرمان الفريق من المشاركة في الكونفدرالية    فتح باب التظلمات للشهادة الإعدادية ببني سويف    التحفظ على المطرب أحمد جمال بعدما صدم شخص بسيارته بطريق الفيوم الصحراوى    ليلى عز العرب:لم يصدر مني هذا الكلام عن هدى الإتربي.. واعتزازي بها لأنها فنانة جميلة    في ذكرى ميلاد الساحر.. ابن الإسكندرية الذي تربع على عرش القلوب | فيديو    جميلة عوض تحتفل بعقد قرانها على المونتير أحمد حافظ | صور    عيد الأضحى 2024| الآداب الشرعية في عشر ذي الحجة لمن عزم الأضحية    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    موعد عيد الأضحى 2024.. أطول إجازة رسمية للموظفين «تصل ل 9 أيام متتالية»    4 يونيو 2024.. البورصة ترتفع اليوم    أتلتيكو مدريد يخطط لضم مهاجم السيتي    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    السفير حسام زكي: لا مخرج من الوضع الإقليمي المتوتر إلا من خلال تفعيل الآليات المتفق عليها    انهيار عقار بالكامل في ميت غمر بالدقهلية    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    7 تحذيرات لطلاب الثانوية العامة 2024.. مكان كتابة الاسم وأقصى مدة للتأخير    رئيس بعثة الحج: غرفة عمليات القرعة تعمل لتقديم خدمة شاملة لضيوف الرحمن    بعثة المنتخب الأوليمبي لكوت ديفوار تصل القاهرة للقاء مصر وديًا    مهاجم الأهلي السابق: الزمالك خارج المنافسة على الدوري    على رأسهم ريان وبوريكة وبن شرقي.. الزمالك يخطط لصفقات سوبر    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    توقيع اتفاقية تعاون بين جامعة المنصورة الجديدة وجامعة إيفانستي الفرنسية    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    أسعار النفط تعمق خسائرها مع مخاوف المستثمرين من زيادة المعروض    دعاء رؤية هلال شهر ذي الحجة.. أحب الأيام إلى الله    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل شخص بسكين في قليوب    مدير عام فرع التأمين الصحى بالشرقية يتفقد عيادة العاشر من رمضان    غداء اليوم.. طريقة تحضير البامية باللحمة    وزارة الدفاع التركية: مقتل شخصين في تحطم طائرة تدريب عسكرية    الكشف عن الكرة الجديدة للدورى الإسبانى فى الموسم المقبل    جامعة سوهاج تتسلم أرض مستشفى الحروق.. صور    ترقية 20 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    أكرم القصاص ل القناة الأولى: التعديل الوزارى مطروح منذ فترة فى النقاشات    9 أفلام مجانية بقصر السينما ضمن برنامج شهر يونيو    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    مصرع شخص في حريق ب«معلف مواشي» بالقليوبية    استعدادًا لمجموعة الموت في يورو 2024| إيطاليا يستضيف تركيا وديًا    رئيس الدوما الروسي: وقف إمدادات الأسلحة لأوكرانيا من شأنه إنهاء الصراع    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    هل التغييرات الحكومية ستؤثر على المشروعات الصحية؟ وزير أسبق يجيب ل«المصري اليوم»    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    وزير العمل يلتقى مدير إدارة "المعايير" ورئيس الحريات النقابية بجنيف    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    جلسة بين الخطيب وكولر لتحديد مصير البوركينابي محمد كوناتيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة العذاب إلى غزة
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 10 - 2010

الرحلة إلى غزة أو مغادرتها عبر البوابة المصرية أصبحت قطعة من العذاب، ونموذجا للمذلة التى يتجرعها أبناء القطاع فى صبر مسكون بالدهشة، فى حين أنها تشين مصر وتسيئ إليها أيما إساءة. ذلك أن الغزاويين الذين يحنون إلى وطنهم وأهليهم ما إن يصلوا إلى مطار القاهرة الدولى حتى يزج بهم فى قبو قذر، لا نظافة فيه ولا خدمات، ولا من يسمع إلى شكاوى المحتجزين، ولا من يستجيب إلى طلباتهم، ولا ماء لديهم ولا طعام، وإنما عليهم أن يشتروا من حر مالهم، لأنفسهم وأطفالهم وللشرطة التى تحرسهم، الطعام والشراب والدخان، وبالسعر الذى يفرض عليهم، فلا أحد يقوى على المساومة أو النقاش، فمن يرد أن يأكل فليدفع، ومن ليس معه فلا يلزمه.
فى ذلك القبو البائس، الذى يتناقض تماما مع مطار القاهرة الدولى، الذى يتيه ببنائه، وبالخدمات الرائعة ذات النجوم الخمسة التى يقدمها للمسافرين منه، أو العابرين فيه، يجتمع مئات الفلسطينيين مع عشرات آخرين من جنسيات مختلفة، ولكن الصبغة العامة للمحتجزين أنهم من أبناء غزة، من الرجال والنساء، والشباب والصغار والأطفال، الذين يجتمعون فى مكان واحد، تختلط أنفاسهم، كما يضيق المكان بأجسادهم، وتضج ساحته الضيقة بصراخ وبكاء الأطفال، وهم الذين جاءوا من أماكن عديدة، كانوا يتمتعون فيها بالحرية، ويزهون بالكرامة، وينتقلون كيفما شاءوا من مطار إلى آخر، دون قيود أو عقبات، وكانوا يعتقدون أنهم سيجدون من السلطات المصرية، معاملة حسنة تليق بهم كفلسطينيين عرب، عائدين إلى أرضهم ووطنهم، ولكنهم يفاجأون باحتجازهم من دون المسافرين وأخذ جوازاتهم منهم، وبعد ساعتين أو أكثر يظهر شرطى حاملا رزمة جوازات السفر، ويتولى النداء على الأسماء، ليسوق الجميع إلى القبو الآثم، بعد أن تجرى سلطات الأمن فرزا مقيتا للمسافرين، فتفصل الأم عن أطفالها، وتعزل الأب عن أولاده، وتحتجز الأم دون الأطفال، وأحيانا الأطفال دون الأم، وأمام موقف من ذاك القبيل لا تجدى الدموع، ولا تنفع العبرات، ولا تغير الاستجداءات ولا الدعوات ولا آهات النساء، وصراخ الأطفال. بل هى قرارات يجب أن تنفذ، وما على رجل الأمن إلا أن ينفذها بكل ما تحمل من خشونة وقسوة.
فى الصباح الذى قد يتأخر لأيام عدة، وبعد أن يصل عدد الفلسطينيين المحشورين فى القبو إلى المئات، تبدأ عناصر الشرطة فى دفع الناس إلى حافلات خاصة، وتسيرهم ضمن قوافل محروسة، ومواكب أمنية إلى معبر رفح الحدودى، فيما يشبه عمليات نقل الأسرى والمعتقلين، دون مراعاة لحرارة الجو اللاهبة، أو لطول المسافة ومشقة الطريق، أو لحالة الصبية والأطفال، والشيوخ وكبار السن، تبدأ الرحلة إلى غزة، فى ظروف قاسية، وحافلات غير مريحة، فيقسم المرحلون فيها ألا يعودوا لمثلها من جديد، وألا يغادروا قطاع غزة مرة أخرى، وأن يبقوا فى غزة مرابطين لا يغادرونه. أما الزائرون فيقسمون ألا يفكروا فى زيارة قطاع غزة عبر معبر رفح، وأن يكتفوا بالتضامن مع أهله عن بعد، وفى نصرته من مكانهم، دون الحاجة إلى الانتقال إليهم. وبعضهم تجشم عناء المغامرة وركب البحر ضمن قوافل الحرية، ليدخل إلى غزة عبر البحر، ليتخلص من المعاناة التى يلقاها المسافرون فى طريقهم إلى معبر رفح.
حين يمر المرء بتجربة من هذا القبيل فإنه لا يستطيع أن يكتم مشاعره. وإنما يظل يستعيد على مسامع أهله ومعارفه قصة المعاناة فى الذهاب أو الإياب، كأن المخططين لمسار رحلات الذل والهوان، يريدون أن يتناقل الناس هذه القصص والحكايا، ليمنعوهم من مغادرة القطاع، وليحولوا دون عودتهم إليه. وواقع الحال يقول إن السلطات الأمنية المصرية تبالغ فى إجراءاتها القاسية. إذ فضلا عن احتجاز المسافرين والعابرين فى أقبية مطارى القاهرة والعريش، فإنها تمنع أى وافد غزى من الدخول إلى مصر، حتى يحصل على إذن أمنى أو تأشيرة مسبقة. وإذا حدث أن وصل إلى المطار دون أن يحصل على الموافقة الأمنية والتأشيرة الرسمية، فإن سلطاته تجبر الشركة الناقلة بإعادة المسافر من حيث أتى، أما إذا حصل على الإذن أو التأشيرة فإن هذا لا يعنى أن يجتاز الأراضى المصرية حرا إلى معبر رفح، وإنما يعنى أن يسافر مخفورا إلى القبو انتظارا لقوافل السبى التى تقوده مع مئات إلى معبر رفح الحدودى.
حين تلقيت هذه الرسالة على البريد الإلكترونى من أحد ضحايا الرحلة الحزينة وهو من حملة شهادة الدكتوراه، قلت: لا خير فينا إذا لم ننشرها. وها هى بين يديك للعلم والنظر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.