أفرجت وزارة الداخلية الأسبوع الماضي عن الداعية الشيخ السيد العربي الذي نشرت المصريون قصة محنته والأمراض التي لحقت به فضلا عن شلل الأطفال الذي يعانيه منذ كان صغيرا ، أفرجت عنه وزارة الداخلية بعد أكثر من عامين من الاعتقال بدون أي مبرر منطقي ، فلا هو إرهابي ولا هو يمثل خطرا من أي نوع ، كما لا ينضوي تحت لواء أي جماعة ، والخطوة التي أقدمت عليها وزارة الداخلية تستحق الشكر والتقدير ، صحيح أنها جاءت متأخرة ، ولكن كما يقول الإنجليز : أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا ، وقد علمت من محدثي أن طريقة الإفراج عنه تمت بشكل لائق وفيه ما يشبه الاعتذار عما حدث ، وهذا ما يعلي من شأن الداخلية ولا ينقص من قدرها ، بل مثل هذا الأسلوب الإنساني هو الذي يعيد الهيبة للجهاز الأمني بوصفه يمثل ذراع العدالة ، كما أنه الوجه الأول الذي يقابله المواطن من الدولة أو الحكومة ، وحتى اليوم ما زال أهلنا في القرى والأرياف عندما يتحدثون عن الشرطة فهم يستخدمون لفظ : الحكومة ، ربما لأن نظم الحكم المتعاقبة لم يكن يرى منها المواطن سوى سوط الأمن ، فاختصرت الحكومة في وعيه وإدراكه بالشرطة ، على كل حال هذه خطوة طيبة وإيجابية تستحق الإشادة والذكر والتعريف أيضا ، رغم أنها تعيد تمزق ضمير الإنسان ومشاعره بين الفرح بالحرية لإنسان والألم لفقدان الآلاف الآخرين من أبناء هذا الوطن لحريتهم ولسنوات طويلة بدون أي حكم قضائي أو جريمة أدينوا فيها ، وإنما لمجرد الاحتياطات الأمنية الفضفاضة ، حيث يتم نسيانهم خلف القضبان ليالي وأياما وسنين من أتعس ما تكون سنين العمر ، لمجرد أن ضابطا اتخذ قرارا باعتقال شخص ونسيه ، ولا يجرؤ على اتخاذ قرار بالإفراج عنه ، تحوطا لمصالحه الوظيفية ، لأن قرار الاعتقال سهل فهو بدون أي أعباء حتى لو كان خطأ ، أما قرار الإفراج فهو يمثل عبئا على الضابط الذي اتخذه مخافة أن يحدث شيئ فجائي ممن يتم الإفراج عنه فيعاقب الضابط الذي كتب مذكرة الإفراج عنه ، وهكذا يظل الأبرياء والبسطاء أسرى روتين وظيفي ، ويعذب معهم مئات الآلاف من أسرهم وأهليهم لا يهنأ لهم خاطر وابنهم يبيت في زنزانة متر في مترين ، وأطفال يحنون لحضن أبيهم المعتقل بدون جريمة وزوجات في غابة بشرية لا ترحم يحلمون باليوم الذي يستظلون فيه بكنف رجلهم وعائلهم ، وأمهات وآباء شيوخ وعجائز ترى وجوههم المصفرة إرهاقا وحزنا وهم يحملون كراتين الفاكهة وما تيسر من طعام يقفزون من قطار إلى ميكروباص لكي يصلوا إلى ابنهم البائس في سجن قد يبعد مئات الكيلومترات يملون وجوههم بصورته حيا لمدة ربع ساعة حسب الزيارة المقررة في السجون ، ثم يعودون في رحلة العذاب والغم من الميكروباص إلى القطار وهي رحلة كل أسبوعين تصل أحيانا إلى ألف كيلو متر أو اثني عشر ساعة من السفر والترحال ، هذا البؤس والعذاب يمكن أن يكون بسبب تافه ، مجرد حرص ضابط على ترقية من رتبة مقدم إلى عقيد مثلا ، ولذلك نؤكد ونردد أنه لا بد من قرار سياسي سيادي ينسف هذا الروتين الوظيفي القميئ ، ويرفع القلق عن الجهاز الأمني ، لأن ملف المعتقلين ضخم وهو بعشرات الآلاف ، وكل معتقل هو قصة حزن وملحمة أسى هو وأسرته . خطوة الداخلية بالإفراج عن الشيخ سيد العربي تستحق التقدير ونأمل أن تتلوها خطوات أخرى تعيد الأمل إلى مئات الآلاف هم أسر المعتقلين وذووهم . [email protected]