لا يخفى عليك أن أحداث الثورة لعبت دوراً خطيراً في كشف أعداء الحرية وعشاق الامتهان والقانعين بالفتات الذي يُلقى إليهم من النظام البائد، وتضم القائمة كثيراً من الفنانين والرياضيين والإعلاميين وللأسف علماء الدين أيضاً! وأيضاً لا يخفى عليك كيف تحوَّل بعض هؤلاء بقدرة قادر مِن منافحين عن النظام الفاسد ومعارضين للثورة، إلى مهللين ومباركين ومتقمصين لثوب المحاربين المنتصرين! وبالطبع أدرك المصريون بفطرتهم مَن كان مع الشعب ومَن وقف ضده، وحُكم الشارع على أي شخص مهما كان هو حُكمٌ لا يَرحم. أستطيع أن أفهم شعور الفنان الفلاني أو الإعلامي العلاني تجاه ما حدث من قبل ومن بعد، وهو الحريص على لقمة عيشه والمتضرر من حدوث مثل هذه الثورة العارمة التي جعلته يتمسك بالنظام على حساب الجماهير التي صنعته. ولكن ما لا أستطيع أن أفهمه هو أن تقف المؤسسة الدينية - مسلمة كانت أم مسيحية - في خندق واحد مع النظام الفاسد ضد إرادة الشعب! فمِن تحذير الكنيسة لأتباعها من المشاركة في مظاهرات التحرير، وإعلانها الصريح مبايعة مبارك على أية حال سواء كان الأب أو الابن .. إلى فتوى الإمام الأكبر بتحريم النزول في هذه المظاهرات .. مروراً بدعوة شيوخ السلفية إلى اعتزال الناس في الفتن! الآن وقد حصحص الحق وأدرك الجميع فداحة النظام الذي كانوا يروجون له، عاد رجال الدين على الساحة من جديد بشعارات لا تقلّ خطورة عن شعاراتهم قبل الثورة. إنني أستغرب توجيه الكنيسة لأقباط مصر أن يصوتوا ب لا في تعديلات الدستور بزعم مواجهة الزحف الإسلامي في المعسكر الآخر، فهذه الخطوة هادمة لأي ديمقراطية حقيقية تقوم على احترام عقلية المواطنين واحترام حرية إرادتهم دون وصاية ولا توجيه. ثم يتم اختزال المسألة في مناقشة المادة الثانية من الدستور التي أسقطها نظام مبارك أصلاً من حسبانه! وعلى الجانب الآخر، يخطب الشيوخ في المساجد ليدفعوا الناس إلى التصويت ب نعم دفاعاً عن الشريعة الإسلامية ضد العلمانيين! وبين هذا وذاك، أتساءل بكل براءة: ما دخل الجنة والنار بالاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور؟ لا أريد أن أصادر حرية أي فصيل مصري في التعبير عن توجهاته، سواء اتفقت معها أو اختلفت. لكنني ضد استغلال الشعارات الدينية والعبارات الرنانة التي لا محل لها من الإعراب في السياسة، فهي أضرّ على ديمقراطيتنا الوليدة من بقايا فلول الحزب الوطني التي كانت تشتري الناس بالأموال .. فإنني أخشى أن يشتري رجال الدين الناس بالعواطف الدينية. حينئذ أقول: خاطبوا عقولنا وضمائرنا حتى نحترم مكانتكم في مجتمعنا.