(ظلام داخلي) صوت مذيع تليفزيوني: هنلاقي حملة حمدين بتهاجم السيسي بضراوة لأنه خسران، وهينزل بالرجالة بتوعه بقى... تدور الكاميرا ببطء لتظهر تدريجيا شاشة صغيرة عليها صورة المذيع الدكتور المستشار معتز عبدالفتاح، وهو يتحدث عن تنبؤاته بتكتيك "المرشح الخسران" وحكمة "المرشح العقر". قطع (ليل خارجي) كلمة "الغثيان" تملأ الشاشة، تتراجع الكاميرا قليلا لنرى ملصقا على مدخل أحد المسارح يحمل عنوان رواية سارتر.. هذا مجرد نموذج مبسط للمونتاج المتوازى، وهو أسلوب للربط بين لقطتين مختلفتين، لتحقيق تأثير إضافي يتحكم فيه المخرج من خارج الدراما، وأضاف المخرج الروسي ليف كوليشوف تأثيرا خاصا (حمل اسمه في علم المونتاج)، يبين لنا كيفية خلق معان مختلفة من نفس المشاهد بمجرد إعادة ترتيب اللقطات، أو إضافة لقطة جديدة قادرة على تغيير المشهد تماما، فمثلا إذا كانت لدينا لقطة لمعتز ينظر أمامه بانبهار ورغبة، تليها لقطة أخرى لطبق فيه دجاجة مشوية، فإن هذا يوحي لنا بأن معتز جائع ولعابه يسيل على الطعام، ولنفترض أن المخرج كان يريد أن يصور معتز في موقف إغراء (مثلا مثلا)، لكن الدكتور رفض التصوير، لأنه مشغول أو لأنه من دعاة السينما النظيفة (مثلا مثلا)، هنا نفهم أهمية "تأثير كوليشوف".. حيث يستخدم المخرج اللقطة الأولى كما هي، ثم يصور لقطة ثانية لامرأة مثيرة، وبمجرد الربط بينهما ستصل الرسالة للمشاهد بأن لعاب معتز لا يسيل على الدجاجة، بل على "المزة"، برغم أنه لم يرها في الواقع. هذا التكنيك هو الحيلة التي يسرف إعلامنا (الساقط) في استخدامها للتشويه والربط المغرض، والتوجيه عن بعد بإيحاءات مضللة، فالباحث الموضوعي ناقش في إحدى حلقاته موقف المرشح الرئاسي حمدين صباحي من الإخوان، وكان واضحا أنه لا يطرح القضية للنقاش، بل يحرك دعوى، فهو لا يسأل عن موقف صباحي بل يدينه، ويتهمه بالغموض، وبدلا من وجود أطراف متوازنة للبحث في القضية، جاء الضيف منحازا للطرف المضاد، وسادت الفقرة لغة أحادية تسعى للخلط والتشويه و"مش فاهمين" و"متلخبطين" و"مشفرين"، وبدلا من التركيز على الموضوع للخروج بنتيجة، دخلنا في تفريعات جانبية، وفجأة وجدنا الحلقة تناقش مبادرة الدكتور سعد الدين إبراهيم، للمصالحة مع الإخوان المسلمين! وطبعا كلكم تعرفون سعد الدين إبراهيم، فهو أستاذ مرموق في علم الاجتماع السياسي وناشط بارز في حقل المجتمع المدني من خلال تأسيسه لمركز ابن خلدون، ومشاركته في المؤتمرات والندوات، والوساطات الثنائية و"الكواليسية" التي لا يخجل كل فترة من الإعلان عنها، على سبيل "المعايرة" حيناً، وعلى سبيل إثبات الحالة والترويج لمهاراته في الوساطة في بقية الأحيان، حتى إنه بشرنا منذ أسابيع برضا الشيخة موزة والدة حاكم قطر عن مصر، وأنها طلبته للحديث بشأن المصالحة و "التجسير" بين مصر وقطر، التي أبدت استعدادها للاعتراف بأن 30 يونيو ثورة وليست انقلابا، وأنها ستتخلى عن الإخوان! وبعد ساعات قليلة من تصريحات إبراهيم صدر بيان تكذيب بتوقيع مدير مكتب الشيخة، لكن إبراهيم لم يهتز، وقال إن الرجل حر في رأيه، وفي اتصاله مع معتز على شاشة "المحور" كان أكثر جرأة في طرح المصالحة، وسأل بإنسانية: "من منا ليس له أخ أو صديق أو قريب أو جار من الإخوان أو متعاطف معهم؟ عندنا 700 ألف عضو في الجماعة، كل واحد منهم فرد في أسرة يعني بنتكلم على ملايين، هل نبيدهم أم ننفيهم؟.. لا بد من الحوار وتمهيد الطريق لإعادة تأهليهم للمشاركة في الحياة السياسية". الحقيقة أنا كمشاهد عندما أسمع هذا الكلام بعد الكلام عن موقف حمدين من الإخوان، لابد أن أقع تحت "تأثير كوليشوف"، وأقتنع تماما بأن حمدين إخوان، أو على الأقل خلايا نائمة للإخوان، وعندما أفتح "فيس بوك" من السهل أن أجد له صورة مع الكتاتني، أو فيديو يتضامن فيه مع خيرت الشاطر ضد محاكمته عسكريا، ولا أنا ولا هو، ولا هي، هنسأل: متى كان هذا؟. وما قضية سلسبيل؟ وهل كان الإخوان من الكفار المحظور التعامل معهم قبل ثورة يناير؟ سيتساوى الباحث والغاوي، والمحترف والهاوي، ولن نعرف الحقيقة: هل كان لعاب معتز يسيل على الدجاجة أم على أشياء أخرى؟ (نهاية مفتوحة)