الكاتب والناقد شعبان يوسف إنه كان أول من احتفى بمرور 50 عامًا على ميلاد الدكتورة درية شفيق، من خلال مقال مطول تناول سيرتها وتجربتها، مؤكدًا ضرورة التعامل معها داخل سياقها التاريخي، وعدم إبعادها عنه أكثر مما أُبعدت بالفعل. وأضاف يوسف أن الحديث عن درية شفيق لا يجب أن يختزل في سرديات غير دقيقة، مشيرًا إلى عدم صحة ما يتداول حول معارضة اليسار لها أو مهاجمتها، موضحًا أن الصراع الحقيقي كان بينها وبين إنجي أفلاطون، التي كانت تنتمي إلى حركة أنصار السلام، وكتبت في مجلتي «الكاتب» و«الملايين»، وسعت، بحسب وصفه، إلى مهاجمة درية شفيق واتهامها بالخيانة والعمالة، معتبرًا أن هذا الصراع يستحق الرصد والتوثيق. وانتقد يوسف ما وصفه ب«القفز» على معركة درية شفيق مع الدكتور طه حسين، معتبرًا أن تجاهلها غير جائز، لافتًا إلى أن المواجهة كانت شرسة عقب نشر طه حسين مقاله «العابثات»، الذي هاجم فيه اعتصام درية شفيق في مارس 1954، وما تبعه من موجة مقالات معارضة لرأيه، من بينها مقال أحمد بهاء الدين، الذي كان أحد الداعمين لها في تلك المرحلة. وأكد يوسف أن التيار اليساري كان داعمًا لدرية شفيق، مستشهدًا بعمل كل من صلاح جاهين ولطفي الخولي معها في الوقت نفسه، مشيرًا إلى أن صلاح جاهين كان يتولى تنسيق وإخراج مجلة «بنت النيل». واعتبر أن الصراع لم يكن سياسيًا أو اجتماعيًا بالمعنى التقليدي، ولا صراعًا مع التيار اليساري، بل صراعًا نسويًا بالأساس، مؤكدًا عدم وجود مقال فاطمة عبد الخالق المشار إليه داخل أرشيف «الأهرام» الذي اطلع عليه. وفي تعقيب على ذلك، أشار الدكتور عماد أبو غازي إلى أن المقال قد يكون منشورًا في طبعة ثانية أو ثالثة من «الأهرام» غير المتاحة لدى شعبان يوسف، بينما أكدت الدكتورة هالة كمال أن المقال موجود بالفعل. وكشف شعبان يوسف أنه يعمل حاليًا على إعداد كتاب جديد عن درية شفيق، مشيرًا إلى أنه سبق أن تناول سيرتها في كتاب «لماذا تموت الكاتبات كمدا». جاء ذلك خلال الندوة التي نظمتها دار الشروق بمناسبة حفل إطلاق كتاب "درية شفيق.. امرأة مختلفة" للكاتبة الأمريكية سينثيا نلسون، بترجمة نهاد أحمد سالم، مساء الأحد، في مكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، بحضور نخبة من المثقفين والكتاب والسياسيين وأصحاب الرأي. وشهد حفل الإطلاق حضور أسرة الدكتورة درية شفيق، ومنهم ابنتاها الدكتورة جيهان رجائي، والدكتورة عزيزة رجائي، إلى جانب عدد من المثقفين والكتاب والشخصيات العامة، من بينهم المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق، أميرة أبو المجد مدير النشر بالدار والعضو المنتدب، وأحمد بدير، مدير عام دار الشروق. شارك بالحضور في مناقشة الكتاب كل من وزير الثقافة الأسبق الدكتور عماد أبو غازي، والدكتورة هدى الصدة، والدكتورة هالة كمال. بالإضافة إلى وزير السياحة الأسبق الدكتور منير فخري عبدالنور، والسفير خالد عزمي، والدكتور محمد أبو الغار، ومحمد طلعت السادات، والفنان محمد عبلة، والإعلامية جميلة إسماعيل، الناشطة الناشطة الحقوقية راجية عمران، والكاتبان الصحفيان محمد شعير ووائل عبد الفتاح، ورجل الأعمال صادق السويدي، والكاتبة داليا شمس، وليلى بهاء الدين، فيما قدم وأدار اللقاء الدكتور خالد الخميسي رئيس مجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبرى، وتناول المتحدثون ملامح مشروع درية شفيق الفكري ودورها الريادي في الحركة النسوية المصرية، وربطها بين تحرر المرأة والنضال الوطني العام. وتوقف الحضور عند إسهامات درية شفيق التاريخية، وفي مقدمتها دورها في حصول المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشح في دستور عام 1956، إلى جانب نشاطها الثقافي وتأسيسها لعدد من الدوريات الأدبية، ونضالها ضد الوجود البريطاني في مصر، ومشاركتها في تنظيم مقاومة نسائية بمنطقة قناة السويس. كما استعرض اللقاء ما جاء في مقدمة الكتاب، التي تصف فيها المؤلفة سينثيا نلسون درية شفيق بأنها "امرأة أرادت لحياتها أن تكون تحفة فنية"، خاضت صراعًا متواصلًا ضد قوى الرجعية والاستبداد، ولم تحصر نضالها في قضايا المرأة فقط، بل وسّعته ليشمل الدفاع عن حرية المجتمع وحقوق الوطن في مواجهة السلطة المستبدة. يذكر أن درية شفيق نجحت في تأسيس أول حزب سياسي نسائي في تاريخ مصر "حزب بنت النيل"، والذي انبثقت منه "كتائب بنت النيل" وهي أول كتيبة عسكرية نسائية، قوامها 30 ألف امرأة من نساء مصر للقتال إلى جانب الرجال ضد الاستعمار في 1956 وقت العدوان الثلاثي على مصر، واستمر عمل تلك الفرقة العسكرية الفريدة من نوعها خلال نكسة 1967 وحرب أكتوبر 1973. ورغم ذلك تم فرض الإقامة الجبرية عليها وغلق مجلتها "بنت النيل"، وإصدار أمر بمحو اسمها من الصحف والمطبوعات، بعد انتقادات كثيرة وجَّهتها لنظام الرئيس جمال عبد الناصر منذ 1957، حيث أطلقت عليه لقب "الديكتاتور" وطالبته بالرحيل عن حكم مصر، فاعتبرها الغربُ وقتها المرأة المناضلة السياسية الوطنية التي تقف كألف رجل أمام الديكتاتور الذي لا يدعم الحريات، بينما راحت بعض الأقلام تتهمها بالخيانة والعمالة للغرب، حتى النساء المشاركات بجمعيتها النسائية بنت النيل تخلَّين عنها وقمن بطردها من الجمعية. أدخلها ذلك كله في عزلةٍ لمدة 18 عامًا ترجمت خلالها القرآن الكريم إلى الإنجليزية والفرنسية، كما ألَّفت دواوين شعرية وكتبًا نشرتها بالفرنسية، كما نشرت مذكراتها. انتهت قصةُ درية شفيق بسقوطها من الطابق السادس في 1975، تاركةً خلفها إرثًا عظيمًا من النضال والعمل النسوي والكثير من الانتصارات في مجال حقوق المرأة واقتحامها العمل العام والحياة السياسية والثقافية، والمزيد من الحيرة والتساؤلات حولها وحول حقيقة نهايتها الغامضة بين تأويلات الانتحار وشُبهة التخلُّص منها.