أشادت الدكتورة هالة الصدة في مستهل حديثها، بالدور الذي لعبته أسرة درية شفيق في إعادة إحياء سيرتها، من خلال تنظيم عدد من الفعاليات الثقافية، وإعادة طبع مؤلفاتها ضمن سلسلة «كتابات عصر النهضة»، إلى جانب المعرض المقام حاليًا في المركز الثقافي الفرنسي، بإشراف نادين نور الدين. وقدمت الدكتورة هدى الصدة خلال كلمتها بعنوان «قراءة في الحضور والغياب»، تناولت خلالها مسيرة درية شفيق منذ البدايات، مرورًا بمرحلة الصعود، ثم العزلة، وصولًا إلى ما وصفته ب«المحو»، وسعت الصدة إلى الإجابة عن عدد من التساؤلات، من بينها أسباب عودة الاهتمام بالدكتورة درية شفيق بعد سنوات طويلة من النسيان، وما الذي يدفع المجتمعات إلى استعادة ذاكرة شخصيات عامة ظلت محل نزاع، وكيف يمكن أن تتحول الذاكرة إلى عنصر فاعل في فهم معارك الحاضر واستشراف المستقبل. وأوضحت أن خبر وفاة الدكتورة درية شفيق عام 1975 فتح الباب أمام عدد من الكتاب من معاصريها للتذكير بدورها وبالظلم الذي تعرضت له، بعد فترة طويلة من الصمت. واستشهدت بما كتبته الكاتبة الصحفية فاطمة عبد الخالق في صحيفة «الأهرام» آنذاك، حين قالت نصًا: : "كان هناك وقت، كانت فيه درية شفيق الرجل الوحيد في مصر… لقد استطاعت منذ عام 1957 أن تخبرنا أننا في طريقنا إلى الديكتاتورية، وضرورو استعادتنا لحرياتنا والتخلص من تلك الديكتاتورية. ندين لتلك السيدة بالعرفان الذي تستحقة:. كما أشارت الصدة إلى مقال آخر لعبد الخالق في مجلة «روز اليوسف» بعنوان «زعيمة المارون جلاسية»، في إشارة إلى أناقة درية شفيق وحضورها اللافت، مؤكدة أن مكانتها ظلت خافتة، ولم تحظ بالاحتفاء الرسمي أو حتى من جانب قطاعات النخبة المعارضة. وأكدت الصدة أن درية شفيق لم تنتم إلى أحزاب أو أيديولوجيات بعينها، بل كانت شخصية مستقلة، تتحرك وفق ما يمليه عليها عقلها وضميرها، مؤكدة ما كان يقال فيها بأنها «امرأة عاشقة للمطلق، ترفض التنازل». وتطرقت إلى بداية تعرف مؤلفة الكتاب الأمريكية سينثيا نلسون، إلى درية شفيق، بعدما أهدتها بناتها أحد دواوينها، مشيرة إلى حديث نلسون التي أكدت أن بمجرد قراءتها للديوان أعادت إلى ذاكرتها سير نساء جريئات اخترن الاختلاف، ما دفعها للاهتمام بسيرتها والبدء في الكتابة عنها منذ منتصف الثمانينيات، قبل أن يقابل المشروع بالرفض داخل المحافل الثقافية، بدعوى خيانة درية شفيق لثورة 1952!، لتبدي الصدة دهشتها من التهمة. وأوضحت أن سيرة درية شفيق عادت بقوة بعد ثورة 25 يناير، من خلال كتابات باحثات وناشطات من أجيال وخلفيات فكرية مختلفة، وجدوا في حياتها وصراعها مع السلطة، وإصرارها على العيش وفق مبادئها، ما يتقاطع مع تحديات ما بعد 2011، لتصبح درية شفيق في قلب «ذاكرة متنازع عليها». وفي ختام حديثها، عرضت الصدة عبر شاشة عرض مجموعة من الفعاليات الثقافية، وصناديق التكريم التي أُنشئت باسم درية شفيق، اعترافًا بأهميتها، مشيرة إلى أن سيرتها ألهمت العديد من الفنانين والفنانات لتقديم أعمال ومعارض فنية، من بينها المعرض المقام حاليًا في المركز الثقافي الفرنسي، مؤكدة أن درية شفيق ما زالت مصدر إلهام للناشطات اللاتي تمسكن بمواقفها الرافضة للتعسف والإقصاء. جاء ذلك خلال الندوة التي نظمتها دار الشروق بمناسبة حفل إطلاق كتاب "درية شفيق.. امرأة مختلفة" للكاتبة الأمريكية سينثيا نلسون، بترجمة نهاد أحمد سالم، مساء الأحد، في مكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، بحضور نخبة من المثقفين والكتاب والسياسيين وأصحاب الرأي. وشهد حفل الإطلاق حضور أسرة الدكتورة درية شفيق، ومنهم ابنتاها الدكتورة جيهان رجائي، والدكتورة عزيزة رجائي، إلى جانب عدد من المثقفين والكتاب والشخصيات العامة، من بينهم المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق، أميرة أبو المجد مدير النشر بالدار والعضو المنتدب، وأحمد بدير، مدير عام دار الشروق. شارك بالحضور في مناقشة الكتاب كل من وزير الثقافة الأسبق الدكتور عماد أبو غازي، والدكتورة هدى الصدة، والدكتورة هالة كمال. بالإضافة إلى وزير السياحة الأسبق الدكتور منير فخري عبدالنور، والسفير خالد عزمي، والدكتور محمد أبو الغار، ومحمد طلعت السادات، والفنان محمد عبلة، والإعلامية جميلة إسماعيل، الناشطة الناشطة الحقوقية راجية عمران، والكاتبان الصحفيان محمد شعير ووائل عبد الفتاح، ورجل الأعمال صادق السويدي، والكاتبة داليا شمس، وليلى بهاء الدين، فيما قدم وأدار اللقاء الدكتور خالد الخميسي رئيس مجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبرى، وتناول المتحدثون ملامح مشروع درية شفيق الفكري ودورها الريادي في الحركة النسوية المصرية، وربطها بين تحرر المرأة والنضال الوطني العام. وتوقف الحضور عند إسهامات درية شفيق التاريخية، وفي مقدمتها دورها في حصول المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشح في دستور عام 1956، إلى جانب نشاطها الثقافي وتأسيسها لعدد من الدوريات الأدبية، ونضالها ضد الوجود البريطاني في مصر، ومشاركتها في تنظيم مقاومة نسائية بمنطقة قناة السويس. كما استعرض اللقاء ما جاء في مقدمة الكتاب، التي تصف فيها المؤلفة سينثيا نلسون درية شفيق بأنها "امرأة أرادت لحياتها أن تكون تحفة فنية"، خاضت صراعًا متواصلًا ضد قوى الرجعية والاستبداد، ولم تحصر نضالها في قضايا المرأة فقط، بل وسّعته ليشمل الدفاع عن حرية المجتمع وحقوق الوطن في مواجهة السلطة المستبدة. يذكر أن درية شفيق نجحت في تأسيس أول حزب سياسي نسائي في تاريخ مصر "حزب بنت النيل"، والذي انبثقت منه "كتائب بنت النيل" وهي أول كتيبة عسكرية نسائية، قوامها 30 ألف امرأة من نساء مصر للقتال إلى جانب الرجال ضد الاستعمار في 1956 وقت العدوان الثلاثي على مصر، واستمر عمل تلك الفرقة العسكرية الفريدة من نوعها خلال نكسة 1967 وحرب أكتوبر 1973. ورغم ذلك تم فرض الإقامة الجبرية عليها وغلق مجلتها "بنت النيل"، وإصدار أمر بمحو اسمها من الصحف والمطبوعات، بعد انتقادات كثيرة وجَّهتها لنظام الرئيس جمال عبد الناصر منذ 1957، حيث أطلقت عليه لقب "الديكتاتور" وطالبته بالرحيل عن حكم مصر، فاعتبرها الغربُ وقتها المرأة المناضلة السياسية الوطنية التي تقف كألف رجل أمام الديكتاتور الذي لا يدعم الحريات، بينما راحت بعض الأقلام تتهمها بالخيانة والعمالة للغرب، حتى النساء المشاركات بجمعيتها النسائية بنت النيل تخلَّين عنها وقمن بطردها من الجمعية. أدخلها ذلك كله في عزلةٍ لمدة 18 عامًا ترجمت خلالها القرآن الكريم إلى الإنجليزية والفرنسية، كما ألَّفت دواوين شعرية وكتبًا نشرتها بالفرنسية، كما نشرت مذكراتها. انتهت قصةُ درية شفيق بسقوطها من الطابق السادس في 1975، تاركةً خلفها إرثًا عظيمًا من النضال والعمل النسوي والكثير من الانتصارات في مجال حقوق المرأة واقتحامها العمل العام والحياة السياسية والثقافية، والمزيد من الحيرة والتساؤلات حولها وحول حقيقة نهايتها الغامضة بين تأويلات الانتحار وشُبهة التخلُّص منها.