فرحة الأم بأبنها عندما يتفوق فى الثانوية العامة ويحصل على مجموع كبير يمكنه من دخول كليات القمة ثم يتخرج الشاب ومعه مؤهله الجامعى وهو سلاحه الذى يتسلح به من أجل مستقبل أفضل له و لأسرته ليحقق طموحات والدته التى فرحت به عند حصوله على المجموع الكبير ولكن سرعان ما تنطفأ فرحة تلك الأم عندما تجد أبنها يبحث عن عمل فى سوق العمل ولا يجده لتراه حائراً بين تفوقه الدراسى وبين فشله فى الحصول على فرصة العمل العادلة التى تمكنه من التميز والنمو داخل المجتمع و تختلجه مشاعر الحيرة مما يراه من قدرة الأقل منه كفاءة على تطوير مستقبلهم من خلال الفهلوة والحداقة التى لا يتمتع بها هو وأن الواسطة هى عنوان النفوذ لأى وظيفة وليس الكفاءة ولأنه لا يعلم تلك الطرق الملتوية التى تمكنه من الحصول على تلك الوظيفة من رشاوى و محسوبيات فتنطفأ لديه مشاعر الأمل للحصول على مكانته التى يستحقها داخل المجتمع كأنسان بذل من الجهد ليتفوق فى دراسته فيضطر إلى أن يغير وجهته ويرضى بأى عمل لا يتناسب مع مؤهله الدراسى ليعمل كعامل بناء أو كسائق أجرة ولا يعنى ذلك أننا نقلل من قيمة تلك الأعمال ولكننا نقول كل ميسر لما خلق له والشاب الجامعى طموحاته أعلى بكثير من تلك الأعمال التى لا يمكن أن تحقق له المكانة التى يريدها داخل المجتمع الذى يعيش فيه فيحاول أن يتأقلم مع تلك الظروف القاسية وخاصة فى ظل ظروف الفرص النادرة فى سوق العمل التى يواجهها أى أنسان كتحدى يبدأ به معترك حياته . ويمكن أن يرضى أن يعمل كبائع متجول فتطارده الشرطة بكل قوتها لأنه يخالف لوائح وقوانين البلد ولكن هنا مكمن الخطورة التى يمكن أن تؤدى بالشاب الجامعى أن يخرج عن شعوره لأنه سوف يرى الحكومة أصبحت مصدر قلق لوجوده التى عجزت على أن توفر له فرصة العمل العادلة التى طالما حلم بها هو أمه وأبيه فيشعر بأن وجوده لا معنى له ويريد أن يصرخ فى وجه الذين ظلموه والتى تمثلت أمامه فى تلك اللحظة الدولة التى رمته فى أحضان الشارع ليعمل فى مهنة لم يكن يتوقعها فى يوم من الأيام مثله مثل من لم يحصل على أى مؤهل ولم تتركه فى حاله ليتمكن من أن يعيش بعد أن رضى بعمله فى الشارع كبائع متجول بل تطارده بحجج واهية مخالفته للقوانين التى وضعها مجموعة من البشر لا يشعرون بشئ ويجلسون فى مكاتب مكيفة و يعيشون فى كوكب آخر غير الكوكب الذى يعيش فيه هذا الشاب طبعا المسئولين فى كل البلدان العربية يظهرون أمام شاشات الإعلام ليتحدثوا أمام شعوبهم ليتكلموا عن مدى قدرتهم على توفير فرص العمل للكثير من الشباب الجامعى فتكون تلك التصريحات بمثابة شرارة اللهب التى تشعل بركان غضب هؤلاء الشباب وللأسف تلك الأسنفزازات المستمرة والمتكررة خلقت جواً مشحوناً بين صفوف هؤلاء الشباب مما جعلهم قابلون للأشتعال فى أى لحظة من لحظات الغضب التى لا يحمد عقباها وطبعاً كما رأينا فى صورة الشاب السابقة الذى يعمل كبائع متجول هى التى جعلت هذا الشاب ليشتعل بتلك الشرارة المحرقة وهى التى جعلته حائراً بين سندان العمل المتدنى كبائع متجول وبين المطاردة الشرسة له من قبل الشرطة وأيضاً تلاشى الأمل أمامه لتحقيق أماله وطموحاته العريضة عن طريقة فرصة العمل العادلة بل أجتمعت كل تلك الظروف لتشعل لهيب الغضب لديه فأحرق نفسه أمام أعين العالم لتبدأ شعلة الغضب فى نفوس الأخوة الأشقاء فى تونس بحثاً عن العدالة داخل المجتمع وتوفير فرص العمل لهؤلاء الشباب وطبعا تم تصدير شعلة الغضب إلى الجزائر الشقيق نتيجة غلاء الأسعار وأنتقلت إلى بعض المناطق فى الأردن، كأن هناك أتفاق ضمنى بين الشعوب العربية عن عدم رضاهم عن سياسيات دولهم الخاطئة التى أدت بهم إلى تدنى أحوالهم بصورة غير مسبوقة وفوجئت أيضا أن المملكة العربية السعودية بأن نسبة البطالة بها وصلت الى 10 % وأن هناك أحتجاجات بدأت تظهر على السطح بين صفوف الشباب الجامعى هناك للمطالبة بحصولهم على فرص عمل عادلة تتيح لهم فرص العيشة الكريمة داخل أراضى المملكة لأنهم بدأوا يعملوا فى أعمال متدنية مثل العمالة الآسيوية الوافدة إلى أراضى المملكة طبعا مصر الحبيبة ليست ببعيدة عن تلك المشاكل الكبيرة التى تجتاح الأمة العربية فمعدل البطالة فى صفوف الشباب المتعلم مرتفعة للغاية وهذا ما نلاحظه فى بيت كل أسرة مصرية فتجد فى كل أسرة واحد أو أثنين من المتعطلين عن العمل ولا تعرف الأسرة ماذا تفعل معهم حتى يحصلوا على فرصة العمل وفشل القطاع الخاص فى مصر على قيادة عملية التنمية التى جزء مهم جدا منها هو قدرته على أستقطاب الأعداد المتزايدة من خريجى الجامعات كل عام وطبعا هناك مشكلة مستعصية لا نعلم حلها وهى أن الدولة وضعت منظومة تعليم فاشلة لا تتناسب مع أحتياجات سوق العمل فى العصر الحديث فيخرج الشاب كله طموح وحماس سرعان ما يفقده عندما يجد أن كل الأبواب توصد فى وجهه ولا يجد من ينقذه من تلك المشكلة القاسية التى يواجهها فيدفعه حبه للبقاء ليعمل أى شئ من أجل الاستمرار فى الحياة ولكنه يكتشف أن الحكومة لن تتركه فى حاله وتطارده عندما يعمل مثلاً عامل بناء أو بائع متجول فهو يريد أن يقول رسالة للدولة أو الحكومة أرفعوا أيديكم عنا طالما أنكم عجزتم عن توفير فرص عمل فلا تحاربونا فى أرزاقنا التى ضاقت بنا وأصبحت لا تكفى لنعيش بها لنبقى على قيد الحياة نطالبكم بالقليل وليس الكثير أن نعيش مثلما أنتم تعيشون نريد أن يكون لنا مستقبل نريد أن نتنفس ونشعر بآدميتنا التى أنتهكت عندما وجدنا أنفسنا ساكتين لا نطالب بحقوقنا فمطالب الشباب ليست مطالب عويصة ولكنها تتلخص فى توفير عيشة آدمية تليق بالشباب المتعلم يشعر فيها الشباب بالأمل فى حياة كريمة و يبنى من خلالها أسرة سعيدة لتستمر مسيرة الحضارة والتنمية داخل البلدان العربية الشباب العربى يتحد فى عالم اليوم للبحث عن حقوقه الضائعة التى فقدها مع الزمن نتيجة سياسات لا دخل له فيها وكان دائماً يقف موقف المشاهد ولكنه آبىَ أن يظل متفرجاً ليصبح فاعلاً للأحداث ومؤثراً فيها يوجه سياسات الحكومات ويهز عروشها التى أصبحت على شفا جرف هار أى هزة يمكن أن تسقطها من عليائها لتصطدم بأرض الواقع الأليم والمرير الذى لم يكن فى حسبانها لتغير أولوياتها نحو توفير فرص العمل العادلة وأن توضع على جدول أعمال أهتمامات تلك الحكومات التى لم تقدم شيئاً حقيقياً يذكر حتى الآن لشبابها سوى الألم والتعنت والمشقة والضيق الذى يعيش فيه وبه الشباب العربى فحمل الشباب على عاتقه أن يشعل شعلة الأمل من جديد ليوقظ ضمير الحكومات العربية من خلال المطالبة بحقوقه العادلة التى تمكنه من أن يتلمس غد أفضل لحياته .