ظلت «رنا» تبكى بحرقة، وترتمى فى حضن ماما «مريم».. تسأل أمها: هل صحيح أننا ممكن نسيب مصر؟!.. صحيح يا ماما؟.. ممكن ييجى يوم نسيب فيه أهلنا وكل شىء؟.. ماذا يريدون منا وكيف نتصرف عندما يحدث ذلك؟.. سمعتهم يا ماما يقولون ذلك فى غرفة الدردشة.. لم أتمالك دموعى.. أحسست بأنهم ذبحونى فى حادث الإسكندرية.. كما ذبحونى من قبل فى نفس الميعاد.. نفس الألم، ونفس الوجع! لم تكن «رنا» تدرك فى هذه اللحظة طبيعة الإجابة.. كانت تبحث عنها لدى أمها.. الأم أيضاً كانت مذعورة.. وكانت تبكى.. تتصل بكل من تعرفه.. تسأل سؤالها الحائر: هوه فيه إيه؟.. لا هى ولا ابنتها تعرف ما يحدث بالضبط.. يتحدثون فى الشارع كما يتحدثون فى غرف الدردشة: ليذهبوا إلى الجحيم.. ليخرجوا من البلد.. يغوروا فى ستين داهية.. وربما كان هذا هو التفسير لمظاهرات الغضب فى كل مكان! لا إجابة واضحة.. لا هنا ولا هناك.. لا يوجد حل سياسى.. لا توجد دولة مدنية، شعارها الدين لله والوطن للجميع.. الحلول المطروحة دينية أيضاً.. من أول بيت العائلة المصرية.. إلى القبلات والأحضان بين البابا شنودة والإمام الأكبر.. غاب العقل وغاب القرار.. فراح الكل يضرب فى بعضه.. اشتباكات بين المواطنين وبعضهم.. واشتباكات بين المواطنين وأجهزة الأمن.. النبوءة تتحقق بالمسطرة! صاحب النبوءة أطلقها ومضى.. لكنه لم يكن يعرف أنها ستتحقق بهذه السرعة.. يقول عاموس يادلين: «لقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية.. ونجحنا فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً.. فى سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية.. لكى يعجز أى نظام يأتى بعد حسنى مبارك، عن معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشى فى مصر»! هذه النبوءة هى التى جعلت «رنا» تنسى أنها مدرس مساعد بالجامعة.. وراحت تتصرف كطفلة، تنتظر من ماما الجواب.. كما كانت تنتظر منها زمان، تجهيز حقيبة المدرسة والساندويتشات.. غاب عقل «رنا» كما غابت السياسة، وغاب العقل العام.. وغاب المسؤول.. وراح يتصرف مثلنا.. يقلب القنوات الفضائية، ويتصفح الإنترنت.. ويدخل غرفة الدردشة.. لا يقدم حلاً.. كان يتفرج والوطن يحترق! حالة الخوف بلا حدود عند رنا ومريم.. البابا يهدد بإلغاء قداس عيد الميلاد.. مظاهرات الغضب تنتشر فى أرجاء البلاد، كبقع سرطانية تهدد الجسد.. كان السؤال يكبر أكثر: هل يترك الأقباط الوطن.. هل هناك محاولات لتهجيرهم.. هل كان «عاموس» يتوقع هذه النهاية.. هل الموساد يخطط لنشوب حرب أهلية فى مصر.. هل تنتهى هذه الحروب بطرد «رنا» من مصر، مسقط رأسها وطفولتها وعشقها؟! ربما كان ذلك سر الدموع التى انفجرت كالبركان.. وربما كان ذلك سبب مظاهرات الغضب.. إنهم لا يثورون فى وجه أحد، بقدر ما يدافعون عن الوطن والصبا والأحلام.. كانت نبوءة «عاموس» فى بؤرة شعور «رنا».. هدفها تصعيد التوتر.. وتوليد بيئة متصارعة متوترة.. تعميق حالة الاهتراء، كى يعجز أى نظام بعد مبارك عن العلاج.. إذن المستقبل مجهول، ولذلك كانت «رنا» تبكى الوطن، ولا تبكى الضحايا! فلا تبحثوا عن الجناة فى مذبحة الإسكندرية.. ولا تبحثوا عن الفاعل فى كارثة كنيسة القديسين.. لا يهم إن كانت القاعدة أو الموساد.. ولا يهم إن كان عملاً انتحارياً، أم عملية باستخدام السيارات المفخخة.. ابحثوا عن الجناة الحقيقيين فى حق الوطن.. لماذا يلعبون بنا.. ولماذا تبكى «رنا» من الآن على أطلال وطن اسمه مصر؟! وابكوا معنا.