أحيانا يكون «التجاهل» أكثر تأثيراً من مناقشة فتوى عبثية، تجرّنا إلى عالم مجنون يحكمه قانون «تأليه الحكام» وتقديم رؤوسنا قرابين لهم، لكن تجاهل شخص مثل «محمود عامر»، رئيس جمعية أنصار السنة بدمنهور، وفتاوى الدمار الشامل التى يتطوع بها، أصبح نوعا من السلبية فى مواجهة جماعة سلفية تصر على تعليق المشانق لكل ناشط سياسى يحلم من أجل الوطن والحرية! نحن أمام «شيخ» لا نعرف عنه إلا الفتاوى الشاذة التى يتقرب بها لنظام لا يشعر بوجوده، فتاوى تبرر حتى «توريث الحكم» الذى لم يُصرح النظام الحاكم بتطبيقه بعد. الشيخ «عامر» يجد دائما فى «درء فتنة الصراع على السلطة» ذريعة لتحليل الاستبداد، أو إغراق البلد فى الفساد، وأخيرا استتابة المعارضين للنظام أو قتلهم(!!). لقد أفتى مؤخرا بقتل الدكتور «محمد البرادعى»، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بتهمة التحريض على عصيان نظام الرئيس «مبارك»، ولكونه يثير الفتن «بدعوة الشعب إلى العصيان»، فجريمة الدكتور «البرادعى» - حسب تصريحه - هى الدعوة إلى: (العصيان المدنى الأمر الذى يؤدى إلى الصراع على السلطة، فالأضرار الأخيرة فتنة عامة تصعب السيطرة عليها إلا بالدماء، فهل من عاقل يُقر سفك الدماء؟!). لقد اخترع الشيخ «عامر» دولة دينية، يحكمها خليفة للمسلمين، (جمعيته نشرت إعلاناً عام 2005 لمبايعة الرئيس مبارك «أميرا للمؤمنين»)، وبدأ يطبق الشريعة بهمجية فى دولة يحكمها الدستور والقانون.. لم ينتبه «عامر» إلى أن الشعب المصرى لا يخرج «الزكاة»، بل يدفع «الضرائب»، والنظام لا يُعاقب أحدا بتهمة تعطيل ركن من أركان الإسلام. إنها دولة مدنية - يا سيدى - التعددية الدينية فيها من صلب الدستور والعقيدة أيضا، وتداول السلطة جوهر الديمقراطية، والتعددية السياسية تجيز لأحزاب المعارضة السعى للحكم. سأفترض أننا نعيش فى دولة يسودها العدل، وأن مجرد «إقامة الصلاة» مبرر لاستمرار الحاكم، كما يقول «عامر»، فلماذا لا تبين لنا الحكم الشرعى فى مجلس يأتى نوابه بالبلطجة والتزوير، وهو المجلس الذى يشارك أعضاؤه فى ترشيح رئيس الجمهورية المقبل؟! الشيخ «عامر» يعرف جيدا أن السلفيين متهمون - عبر التاريخ - بأنهم «عملاء السلاطين»، لكن ما لا يعرفه أن النظام ليس بحاجة لأمثاله، ولا مستقبل الرئاسة يفتقر لسند شرعى من تجلياته النفعية. نظام «مبارك» لن يلاحق ملايين الشباب من أنصار «البرادعى» بالتكفير والقتل، ولا يعتمد أسلوب التصفية الجسدية للتخلص من معارضيه، وبالتالى التحريض على قتل البرادعى طلقة «فشنك»، لا يتردد صداها إلا فى وكالات أنباء تتندر بحالة الغباء الدينى الذى يحاول أن يحكمنا. لست مضطرة لمناقشة الأسانيد الفقهية التى قدمها «عامر» تبريرا للقتل، يكفى أن الدكتور «نصر فريد واصل»، مفتى مصر الأسبق، أيّد انتقاد ولىّ الأمر، ودعا «عامر» بالمسارعة إلى الاستغفار. لكن السؤال الذى يحيرنى: لماذا تصمت الدولة على ذلك الإرهاب المعنوى وكأن هناك حالة تواطؤ مستتر.. وإلى متى تستمر فوضى فتاوى إهدار الدم من المفكرين إلى السياسيين، حتى وصلت إلى إهدار دم الدكتور «يوسف القرضاوى»، إذا ثبتت دعوته للعصيان المدنى؟!