أرجو من السادة القراء الذين أرسلوا إلىّ عشرات الرسائل التى تحكى وقائع عن تجاوزات المسرحية الانتخابية أن يتكرموا بإرسالها إلى منظمات حقوق الإنسان التى لعبت بإخلاص دور الناقد الفنى فى المسرحية، ليس فقط لأن المساحة المخصصة لى تضيق عن نشر هذه الرسائل، ولكن لأننى بصراحة شديدة لست متعاطفا مع كل من شارك فى هذه المسرحية دون الحصول على أى ضمانات سياسية أو قانونية تكفل نزاهتها النسبية، ليمنحوها بمشاركتهم الشرعية السياسية اللازمة لأى انتخابات، وسواء كان ذلك القرار قد تم بناؤه على وعود كاذبة لم تنفذ أو بناء على حسابات سياسية خاطئة، فالذى حدث أن تلك المشاركة منحت الانتخابات الشرعية السياسية التى كان يحتاجها الحزب الوطنى، وحتى عندما تم إعلان الانسحاب بعد فوات الأوان، كان ذلك القرار قد فقد معناه، برغم محاولة المنسحبين تصوير أنفسهم أنهم سددوا ضربة قاصمة للحزب الوطنى، وأنه ظهر أمام العالم بأنه يسحق المعارضة، وهى سذاجة سياسية تفترض أن الحزب لم يكن يرغب فى هذا منذ البداية، مع أنك لو سألت أى طفل يلعب فى الشارع السياسى لقال لك إن هذا السيناريو كان مخططا له منذ البداية بهدف إحكام السيطرة على الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومنع تسلل أى مستقل ذى شعبية إليها بعد حصوله على الأصوات النيابية المنصوص عليها فى مادة الدستور المطبوخة سلفا حسب رغبة الزبون الوحيد، وهو الهدف الذى تحقق ببراعة وساعدت على تحقيقه، إما تواطؤا أو غباءً، قيادات المعارضة من جميع التيارات. على أى حال اخترت أن أنشر من بين كل الرسائل رسالة لا يبدو أن لها علاقة مباشرة بوقائع المسرحية الانتخابية أرسلها إلىّ الكاتب الشاب كريم الشاذلى، المتخصص فى التنمية الذاتية، يحكى فيها عن تجربة شخصية حدثت له فى ليلة الانتخابات، لكنها تقول الكثير عنها، تقول الرسالة: «لعله فى زوبعة الانتخابات والقضايا الكبرى التى تفرزها تلك المعركة الشرسة لا يوجد مكان لطرح قضايا جانبية ، لكن الأشياء الصغيرة فى كثير من الأحيان تعطى دلالات أكثرخطورة لأنها تعبر عن واقع من الممكن أن يجد أحدنا نفسه عالقا به وقد كان يقرؤه أمس وهو يحتسى فنجان قهوته الصباحية. يوم السبت كان يوما عاديا لا تنذر سماؤه بأى شىء مختلف، اللهم إلا الضباب الكثيف الذى يغطى سماء القاهرة، كان عندى يومها صباحا حديث فى برنامج (صباح الخير يا مصر) للحديث عن كتابى الجديد، وبعض الأعمال الخاصة بشركتى، ومساءً حضور حفل توقيع الصديق العزيز عمر طاهر فى مكتبة ألف بالزمالك.. وبعد انتهاء الحفل قررت العودة إلى بلدتى حيث أقطن فى محافظة الدقهلية، كان معى صديق أقللته فى سيارتى إلى حيث سيهبط فى مدينة قها على طريق مصر - إسكندرية الزراعى، وما إن توقفت السيارة وهمّ بالنزول إلا ووجدت فى أقل من ثانية اثنين من البلطجية يحمل كل منهما ما ظننته سيفا واتضح أنه سنجة بعد ذلك، وعيونهما الغائمة تؤكد أن أذهانهما ليست حاضرة معهما، ودون كلمة واحدة كانت سنجة واحد منهما تصنع خطا دمويا على ظهرى لتؤكد أن الأمر جد وليس بالهزل، ولأنى أحمل مبالغ مالية كبيرة خاصة بعملى وجهاز الكمبيوتر المحمول خاصتى وغيرها من المتعلقات المهمة، فقد اتخذت قرارى بالاشتباك معهما، وكل أملى أن ألفت نظر إحدى السيارات المارة فى الطريق، كان الاشتباك مفاجئا لهما وهو ما أعطانى تفوقا لحظيا سمح لى بأن ألقى الشخص الواقف أمامى فى إحدى الترع الصغيرة على يمين الطريق وأهبط خلفه محاولا جذب الآخر بعيداً عن السيارة وإعطاء صديقى المرعوب الفرصة لإيقاف إحدى السيارات، المدهش فى الأمر أن الأمور جرت وفق ما أشتهى إلا أن السيارات التى توقفت ما إن رأت السيوف المشهرة إلا وعادت أدراجها كالريح، سيارة بها أحد عشر راكباً وأخرى نقل وثالثة ملاكى، تبطئ قليلا ثم تُسرع مرة ثانية. لعل الشىء الجيد أن أنوار السيارات وهى تبطئ دفعت أحدهما لأن يسرق هاتفين محمولين من السيارة والاختفاء وسط الزراعات دون أن يلفت انتباهه الشنطة الصغيرة الموضوعة أسفل الكرسى الخلفى، قبل أن يعاجلنى الشخص الأخير بضربة على رأسى ويختفى هو الآخر.. بلا إبطاء وبدافع الخوف والرعب ركبت سيارتى متوجها إلى قسم شرطة قها، متوهما أن الشرطة مازالت فى خدمة الشعب، لن أحدثك سيدى عن حالة الخمول التى وجدتها واللامبالاة، ولا تخشب الضابط أمام الشاشة متابعا لفيلم أجنبى وهو يشير لهم بإشارة لها مغزاها أن يعيدونى إليه بعد انتهاء الفيلم، ولن أحدثك عن الساعات الأربع التى قضيتها وأنا أنزف من أجل عمل محضر رسمى، ولا بإخبارهم أننى مصاب ويجب الذهاب للمستشفى لأنى أشعر بدوار شديد، ولا بتلك الحباية المجهولة التى أعطاها لى أحدهم فى ود وهو يؤكد أنها ستجعلنى لا أشعر بأى ألم، لن أحدثك عن الجولة التى قاموا بها بسيارتى فى مكان الحادث بعد ساعة كاملة، وليس بعد وصولى وكأن اللصوص سينتظرون أن يلتقط لهم البعض بعض الصور التذكارية، لكننى يا سيدى سأترك رد (البيك) رئيس المباحث وهو يقول لى بعدما قرأ المحضر (أنت ثالث حالة تُسرق بهذه الطريقة، الفرق بينك وبين الحالتين الأخريين أنك الوحيد الآتى على قدميه، ونصيحتى إذا ما حدث لك شىء مشابه أن تعطى اللص ما يريد حتى لا تأتينى فى المرة القادمة جثة هامدة)، ثم أتبع وهو ينهى كلامه (المشكلة فى التوقيت، انتخابات الإعادة غدا كما تعلم.. اتوكل على الله واحنا هنعمل المطلوب)، فتركته ذاهبا للمستشفى وقد وعيت الدرس جيدا، إذا ما أردت أن أكون ضحية فى مرة قادمة فيجب كى أكون حسن الحظ ألا أقاوم اللصوص، وألا يكون ذلك عشية إجراء الانتخابات، بيد أن الدرس الأصعب والأسوأ والأكثر مرارة يا سيدى أننى لا يجب أبداً أن أراهن على شهامة المواطن المصرى.. فربما يكون الثمن المرة القادمة هو عنقى. أعتذر للإطالة.. كريم الشاذلى.. أحد من يكتبون عن الأمل والتفاؤل والغد المشرق». [email protected]