تساءلت اليوم صباحاً عن جدوى إدلاء الصوت بلا مقابل مادى (حيث أن المقابل المادى هو السبب الوحيد نصف المنطقى للانتخاب) لأحد الأطراف... إذا كان الأختيار يقع بين فاسد ومن هو أقل فساداً أو على أكثر تقدير من يملك فساداً من نوع أقل تأثيراً على المواطن المسكين وتساءلت ليلة أمس عند مرورى أمام شادر أقامه مُرشح ذو عيون أو أنصاره ومؤيديه بالمنيب...الشادر ذكرنى بمولد السيدة زينب...موسيقى عالية وأضواء ودُخان شواء وزحام حتى الفجر وسيارات توزع أشياء لم أتبينها...حينها تساءلت...هل من ينفق ملايين عدة على دعايا ورشاوى إنتخابية بحاجة لكرسى المجلس...وأعرف أنه سؤال ساذج لاننى أعرف -عن قريب- شهوة السلطة وقوة الحصانة و كيف يسترد سيادة النائب ملايينه بعشرات أضعافها بعد قربه من زملاءة تحت القبة ليلعبوا لعبة توافيق وتباديل المصالح والصفقات وتساءلت الاسبوع الماضى وانا استمع بنفسى الى مؤامرة أحد المرشحين للإطاحة بآخر (كلاهما من الحزب الوطنى بالمناسبة) واستعداده لدفع عدة ملايين حتى تكون الإطاحة ”قانونية”...تساءلت وقتها عن تكوين ضمير هذا الرجل..مما صُنع...وكم سيسعه العمر حتى يتمتع بإمتيازات المجلس حيث ان المرشح على أعتاب السبعين وتساءلت منذ شهر مضى ورأسى تلتهب تحت سيشوار مصففة الشعر وانا أستمع الى صوت سيدة من أشهر سيدات المجتمع والأدب والصحافة وهى تنظم تليفونياً المهزلة المُسماة “كوتة المرأة” وتعطيها لتلك وتأخذها من أخرى وكأنها محرك العرائس وبيده كل شىء...تساءلت وقتها عن جدوى مصروفات الحملة الإنتخابية إذا كانت النتيجة مضمونة مُسبقاً وأجابنى عن كل تساؤلاتى التى هى بالأصل ليست تساؤلات بل متنفس طبيعى لعقلى حتى لا تحترق ربع خلاياه العبقرية ، أجابنى حديث فردى أمن يحرسان مُنشأة إحدى السفارات بجانب بيتى...فقد كنت أحمل ما حطمت أمى بشراءة ميزانية الشهر وأستعد لغلق السيارة والمشى بضع خطوات الى بابا منزلى حين سمعت فرد الأمن يقول للآخر : “ده الحاج ده صارف 14 مليون على اللحمة والكسوة والفلوس اللى اداها للناس...ده غير الانوار والعربيات ام مكروفون اللى دايرة من صباحة ربنا تنادى عليه زى اللى بينادوا على عيل تايه” فرد عليه الآخر: “يا عم 14 مليون ايه...ده نعر...بالكتير بالكتير مية الف جنيه...هو اصلاً حد معاه 14 مليون...طب حيرشح نفسه ليه لو هو غنى اوى اوى اوى كده؟!” والاخوة الغلابة افراد الأمن الذين يفرحون بالعيد حتى يتمكنوا من اخذ بضعة جنيهات الى اهليهم بالريف او الصعيد وأمثالهم هم سبب تفاقم الفساد بهذه البلد وهم أيضاً من يدفعون الثمن...لانهم برغم ضيق حالهم لا يعرفون الحقيقة ولا يريدون ان يعرفونها وقد التهوا بالأحاديث وجمع جنيهات قليلة عن بحثهم عنها...فلم تعد البلد تعنيهم...وسلموا بسطوة لصوص المجتمع ونُهاب ثرواته إذا كان من الطبيعى أن يقبل الإنسان ان يكسب غيره مئات الملايين بالنهب ويكسب هو 17 جنيهاً بالوقوف على قدميه فى العراء 12 ساعة يومياً...وإذا كان من الطبيعى ان نذهب لننتخب لصاً أظرف من لصٍ آخر...فنستحق دون شك أن نكون البلد التى نحن هى الآن...بلد فقر وجهل وانعدام احساس ويأس لغالبية سكانها أما السؤال الذى لم أجد له إجابة معظم حياتى هو: لماذا أسمع وأرى بنفسى وعن قرب كل ما هو قاسٍ وكريه بهذه الدُنيا؟؟ هل يجب أن تبنى معرفتى بالموت على ملامسة الجيفة؟؟ ألا تكفى الحكايا...مثل باقى البشر؟؟؟