ينتاب العرب شعور باليأس بعد أن أدركوا أن محاولة الإطاحة بنظمهم الفاسدة أو القمعية ستكون عقيمة. وقد أسقطت ثورة 2005 اللبنانية النظام الذى كانت تدعمه سوريا لكن لم يحدث تغيير حقيقى على الإطلاق. وتبين الأحداث التى شهدتها قرغيزستان قبل عدة أيام أن الأنظمة الراسخة ليست بمنأى من الانقلابات. وقد تابع العرب أحداث قرغيزستان بدهشة. لكن لماذا لا يحدث الشىء نفسه فى بلادهم؟ فهناك الكثير من القواسم المشتركة بين الرئيس القرغيزى السابق والزعماء العرب. فقد «فاز» فى انتخابات 2005 بنسبة 90% بعد طرد الديكتاتور السابق، ليحل مستبد محل آخر. وهناك أكثر من اثنى عشر من البلدان العربية تتشابه فى ظروفها، حيث يقوم أشخاص بانقلاب على الملك أو الرئيس السابق لا لشىء إلا لتثبيت أقدامهم فى الحكم حتى الممات. وبالرغم من أن معظم العرب غير راضين عن أنظمة الحكم فى بلادهم، فإن قلة محدودة هى التى تعبر عن ذلك سرا، وعددا أقل هو من يجرؤ على إعلان ذلك، خوفا من الانتقام. ولزمن طويل، ظلت المساجد المكان الوحيد لتبادل الأفكار بعيدا عن عيون المتطفلين، لكن الحال اختلف تماما بعد فى عالم ما بعد الحادى عشر من سبتمبر. ويختلف السبب وراء قلة الحديث عن التغيير فى العالم العربى من دولة إلى أخرى. ففى بلاد الخليج الغنية قد تعود اللا مبالاة إلى الأوضاع المادية الميسرة. ويربط نعوم تشومسكى بين الرأسمالية المفرطة التى ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية فى الولاياتالمتحدة وبين ظهور المجتمعات اللامبالية والمفتتة. وأعتقد أن الشىء نفسه يمكن أن ينطبق على مواطنى دول الخليج. فدول الخليج تسابق الزمن لتطبيق الرأسمالية وتشجيعها، من التخطيط لإقامة مدن اقتصادية عملاقة فى السعودية باستثمارات تصل إلى 60 مليار دولار إلى تقديم الكويت ل23 مليار دولار نقدا لتسديد ديون مواطنيها المتعثرين. ويتمتع مواطنو الخليج بالفعل بأعلى نسبة لدخل الفرد من إجمالى الناتج المحلى، وتتصدر قطر القائمة على مستوى العالم حيث يصل متوسط دخل الفرد إلى 121.400 دولار سنويا، ولا تتخلف دول الخليج الأخرى عنها كثيرا. وعادة ما نقرأ من حين لآخر تصريحا لأحد قادة الخليج بأن من واجبات الدولة توفير فرص العمل للشباب. وربما كانت سياسة «فرص العمل مقابل اللا مبالاة» ناجحة. وعلى الجانب الآخر، نجد دولا متأثرة بسياسات تمويل الانقلابات إلى تشجيع المعارضة، ومن بينها مصر واليمن وسوريا وليبيا وتونس والجزائر، والعراق حتى وقت قريب. وفى كل الحالات كان القادة الفاسدون يحل محلهم قادة لا يقلون عنهم فسادا، وهكذا عاد العرب إلى المربع الأول. الأقل ثراء وتبين أنها إما غير قادرة أو غير راغبة فى أن تقتدى هى نفسها أولا بمبادئ الحكم الرشيد قبل أن تسعى إلى تولى مقاليد الدولة. فقادة حركات المعارضة يستمرون فى مناصبهم فى معظم الأحوال لعقود من الزمان، ويعينون أقرباءهم فى أعلى مناصب الحركة أو يعلون من سقف مطالبهم عند التعامل مع غيرهم سواء فى داخل البلاد أو على المستوى العالمى ويظلون بذلك بلا قوة ويفتقدون إلى الاستقامة إلى حد كبير. وعلى الأرض، تنهج هذه الدول نهج الدولة البوليسية، لكنها على عكس كوريا الشمالية والصين، تحتفظ بواجهة ديمقراطية توفر لها تقريظ زعماء الغرب،الذين لا يميلون إلى استضافة حركات المعارضة كما يفعلون مع الدالاى لاما مثلا، أو إغماض أعينهم. وربما كان اليأس هو القاسم المشترك بين مواطنى هذه الدول. وكانت أقرب محاولات العرب للإطاحة بنظام فاسد، من حيث المبدأ على الأقل، عندما هب اللبنانيون ضد النظام المدعوم من سوريا أثناء «ثورة الأرز» فى 2005 فقط لتثبت محله نظاما تسانده السعودية. وبعد خمس سنوات من الانتفاضة اللبنانية، استوعب «زعماء» تلك الحركة درس سياسة الشرق الأوسط، فنراهم اليوم يزورون دمشق لتقديم الاعتذار وطلب الصفح من النظام السورى. ومن الطبيعى أن يشعر العرب باليأس عندما لا يعنى التغيير أكثر من تفاقم الأوضاع. وفى كثير من البلدان الفاسدة يندرج الدعم الغربى لما تقوم به الحكومات من قمع لرموز المعارضة تحت مقولة «شيطان تعرفه خير من شيطان لا تعرفه». فمن يستطيع أن يغامر بتكرار سيناريو حماس، عندما صوت الفلسطينيون ضد قادة فتح المحنكين واختاروا بدلا منهم مبتدئى السياسة من كوادر حماس؟ فالعرب يدركون الآن أنهم يمكن أن يدفعوا ثمنا باهظا إن هم عاقبوا قادتهم الفاسدين و«فعلوا الشىء الصحيح». وبين رشوة المواطنين بالأموال والوظائف، وتهديدهم بقوانين الطوارئ الوحشية، من غير المتوقع أن نشهد ثورة من أى لون فى العالم العربى فى المستقبل المنظور. إن جل ما يملكه العرب الآن هو التنفيس عن غضبهم، من قادتهم وحركاتهم المعارضة على حد سواء، فى الفضاء الإلكترونى على أمل أن يأسر مقال ما أو رسالة على موقع تويتر خيال شاب عربى فى مكان ما ويعبر عن نفسه ويقول: «كفى». guardian.co.uk