التقيت منذ أيام قليلة العالم المصرى الكبير الدكتور محمد غنيم، رائد زراعة الكلى فى مصر، أثناء زيارته الدكتور البرادعى فى منزله القريب من أهرامات الجيزة، أثناء قيامه بتوجيه الدعوة له لزيارة مركزه فى جامعة المنصورة، والذى أصبح واحداً من أهم مراكز زراعات الكلى فى العالم. ولأننا كنا خمسة أو ستة أشخاص فى هذا اللقاء، معظمهم من أساتذة الجامعات وبينهم أطباء كبار، فقد كان من الطبيعى أن تشملهم الدعوة نفسها. وفيما يتعلق بى شخصيا فقد سعدت كثيرا بهذه الدعوة وربما كانت السبب الرئيسى فى حماسى لزيارة المنصورة!. وصلت إلى مقر مركز الدكتور غنيم صباح الجمعة الماضى بصحبة الدكتور محمد أبوالغار، قبل حوالى ربع ساعة من وصول الدكتور البرادعى، الذى يحرص على أن يقوم بزياراته العامة بمفرده فى هدوء تام حتى لا يتسبب فى أى إزعاج أو قلق أو استفزاز لأحد. وحين هممنا معاً بالدخول أوقفنا الحرس، الذى تبين أنه لم يكن حرس المركز المعتاد، الذى تم استبداله بأوامر مباشرة من رئيس الجامعة، بطاقم آخر من حرس الجامعة المطعم بعناصر من مباحث أمن الدولة!، كما تبين أن أوامر صدرت بعدم دخول أكثر من خمسة أشخاص، من بينهم الدكتور البرادعى نفسه وشقيقه الذى يصاحبه دوما فى زياراته. وقد استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن نتبين أن الأشخاص الثلاثة الآخرين المسموح لهم بالدخول هم: الدكتور محمد أبوالغار والأستاذ جورج إسحق والكاتب علاء الأسوانى (الذى لم يحضر أصلا). بدا المشهد بالغ الغرابة، خصوصا مع توافد بقية الضيوف تباعا، الذين كان من بينهم أساتذة من كليات الطب، كما بدا بالغ الحرج بالنسبة للدكتور غنيم، الذى حضر بنفسه إلى البوابه التى كنا نقف أمامها، حيث بدا عاجزاً تماما عن فعل أى شىء أمام سطوة الأجهزة الأمنية التى كان واضحا أنها تحكم سيطرتها على الموقف!. ولأن المشهد، الذى لا يمكن أن نجد له مثيلاً فى أى بلد آخر فى العالم بما فيها الأكثر تخلفاً واستبداداً، بدا مذهلاً إلى درجة اللامعقول، فقد كان من الطبيعى أن يثير لعاب رجال الإعلام الذين تدافعوا للاستفسار عما يحدث ويطيرونه إلى مختلف أنحاء العالم. سبق أن كتبت فى مناسبات مختلفة عن أن الأجهزة الأمنية أحالت الجامعات فى مصر إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، ولفت الأنظار حينئذ إلى أن التدخل الأمنى المبالغ فيه، الذى لا مبرر له على الإطلاق، يعد أحد أهم أسباب تخلف نظام التعليم الجامعى فى مصر، لأنه يقضى تماما على كل مظاهر الحريات الأكاديمية والتى يستحيل فى غيابها حدوث أى تقدم علمى أو تكنولوجى حقيقى. ولأن النظام الحاكم لم يعد معنياً إلا ببقائه واستمراره، فليس بوسعه أن يدرك حجم الكوارث التى قد تتسبب فيها تصرفاته الرعناء، حتى لو أدت إلى إطفاء كل مراكز الإشعاع فى مصر. غير أن ما حدث أمام مركز غنيم، على بشاعته، بدا هيناً جداً بمقارنة بما حدث بعد ذلك أثناء خطبة الجمعة فى مسجد النور.. فإلى الغد بإذن الله.