من قتل أحمد حسنى؟!

رحمه الله.. كان أشبه براهب بوذى.. اسم يغزل البهجة على الشاشة بينما روحه الشفافة تحترق شيئاً فشيئاً.. شاب فى الثلاثين زاهد وقليل الكلام وفنان وفى عينه حزن نبيل لا يفارقه وشبح ابتسامة على وجهه.. صديق عمره توفى منذ شهر فجأة وسألته أكان يشكو من مرض؟! قال لا.. ولكنهم اكتشفوا أن كبده تسرطن ولا أمل.. كان الرجولة تمشى على قدمين.. كان يحدثنى عن صديقه وهو حزين على فراق توأم روحه.. لكنه رغم كل شىء كان يواجه الحياة بجسارة حتى إننى علمت أنه يعيش فى أجواء خطرة،
وهناك تهديدات بالقتل والثأر لبعض من أصدقائه فحذرته، وكنت أخاف أن يحدث له أى مكروه. لكنه غافلنا ورحل.. كيف.. لماذا؟.. أستغفر الله فلكل أجل كتاب.. وعادة تشغلنا الأسباب فتخفف عنا المصاب.. هل كان مريضاً هو الآخر؟ نعم.. بأى علة؟.. القلب.. عملية قلب مفتوح.. وضغط مرتفع مزمن وتدخين هروبى ينفخ فيه همومه ويشرب سمومه.. كم عمره؟.. فى الثلاثين.. متزوج..
وعنده أطفال.. نفس السيناريو يتكرر فى السنوات الأخيرة مع أحباء صغار مثل المخرج محمد عبدالقوى عاشق وسط البلد والحوارى والأزقة والناس الغلابة حتى إنه ليلة وفاته مشى مع أصدقائه ست ساعات على قدميه كأنه يودع البلد الذى يعشقه ولم نبادله حباً بحب فى العشرينيات والثلاثينيات ويمرضون بأمراض خطيرة يصابون باكتئابات حادة فتفترسهم الآلام ولا يستطيعون تحقيق بعض أحلامهم البسيطة.. وجوههم تطالعنى وهى باسمة راضية لم تعكرها خيانات الكبار.. جيل جميل ومهزوم وممرور تم تهميشه عبر عقود وتمت عملية تزهيقه وتكديره حتى نخاع الكرامة..
أصعب ما تواجهه فى هذه الحياة رجل شاب يبكى أمامك ويشتكى ويقسم أنه لا يملك إيجار شقته ولا يملك مصاريف بيته الشهرية، وهو متزوج حديثاً فى سنته الأولى.. كيف حال رجولته وكبريائه أمام فتاة أحلامه.. سياسات عجيبة كسرت رجولة وكبرياء أجيال وجعلتهم يتسولون حقوقهم ولا يحصلون عليها.. اعترض.. احتج.. دافع عن نفسك.. اضرب عن الطعام.. اعتصم.. نحن نكفل لك حق البكاء وحق الصراخ وحق الشكوى وحق التسول..
أليست هذه خطوة مهمة جداً.. نحو الديمقراطية زمان فى الجاهلية كانوا يجيدون صناعة وأد البنات.. الآن هم يجيدون صناعة وأد الشباب اسأل أى شاب.. سيقول لك.. الهجرة هى الحل وسلم لى على الأغانى.. مؤخراً قابلت شابين يعرضان مشروع جبهة التصحيح.. تصحيح أوضاع اللغة العربية المتردية فأشفقت عليهما.. كيف يصلح العود والساق أعوج..
لكنهما يحاولان.. وآخرون يرسلون إليك ويقابلونك ليعرضوا عليك براءات اختراع وابتكار مدهشة فلا تملك لهم إلا العزاء.. جيل تسرطن وأهملت أساليب تغذيته الصحية وتم تخريب عقله، فلم يعد يملك إلا أن يشتكى إلى الله ويحول ابتهالاً شهيراً للشيخ مشارى إلى رنة موبايل تقول إلهى أنت تعلم كيف حالى.. فهل يا سيدى فرج قريب.. فيا ديان يوم الدين فرج.. هموماً فى الفؤاد لها دبيب.. وصل حبى بحبل رضاك وانظر لى وتب على عسى أتوب.. يارب.
gamal_elshaer@hotmail.com