الشعور بألم الصفعة التى تلقاها الإعلام المصرى أثناء حرب غزة، لا يزال موجعا، وهو شعور ينتقل إليك شئت أم أبيت كلما تطرقت مع زميل صحفى أو إعلامى إلى تداعيات تلك الحرب. أصبح الجميع على يقين بأن ما تردد على مدى سنوات طويلة حول ريادتنا الإعلامية، كان مجرد ضحك على الذقون! فشلت كل المحاولات لإخفاء تلك الحقيقة، بعد أن كشفتنا و(كسفتنا) حرب غزة! وأمام هذا الواقع المر، بدأت أصوات تطالب بإخضاع مؤسساتنا الإعلامية الرسمية لإعادة بناء، وهو بالطبع شىء جيد، بشرط الابتعاد عن (بيرسترويكا) الرفيق جورباتشوف التى أراد من خلالها إعادة بناء الاتحاد السوفيتى، فأجهز عليه! تذرف الدموع كل يوم حزنا على حال إعلامنا، فيما يتطوع كثيرون لتقديم وصفات لإنقاذه أو لستر عوراته. لكن النيات فى هذا الصدد تبدو متباينة، بين من يستخدم القضية لتصفية حسابات شخصية، ومن يرغب حقا فى الإصلاح..وسط ذلك كله ألاحظ أن أصحاب النية الحسنة يهتمون فقط بالإعلام المرئى دون غيره.. نعم أقر وأعترف أننا نعيش فى عصر الفضائيات، لكنها حقيقة لا تبرر تجاهل الوسائل الإعلامية والصحفية الأخرى، التى تشكل مع القنوات الفضائية ومع محطات الإذاعة منظومة واحدة..لذا لن أتحدث عن أداء فضائياتنا أو إذاعاتنا الحكومية، بل تحديدا عن وكالة أنباء الشرق الأوسط، التى يفترض أنها المصدر الرسمى الأول للأخبار، وهنا مربط الفرس! هل سمعتم يوما خبرا عاجلا نقلته الوكالة قبل بثه عبر الفضائيات غير المصرية؟!هل أسعفت الوكالة الزملاء الصحفيين والإعلاميين بخبر عليه القيمة؟ أقصد طبعا أخبارا محلية، تجرى على أرض مصرنا المحروسة وليس فى (غينيا بيساو) أو فى العواصم التى تتباهى الوكالة بامتلاك مكاتب فيها! ترى هل يشعر المسؤولون فى الوكالة بالغيرة، عندما يحرز (مكتب) إحدى الفضائيات سبقا فى خبر محلى؟ بالتأكيد لن يدفعنى الأسى على حال وكالتنا إلى مقارنتها بوكالات عالمية، لأسباب عديدة، منها أن وكالة الأنباء الفرنسية مثلا، لا تبث أخبارا من عينة (الرئيس ساركوزى يتلقى برقية تهنئة من وزير خارجيته كوشنير بمناسبة عيد الميلاد المجيد).. ومع ذلك يقودنى التفكير فى الأمر إلى تجربة وكالة (تاس) التى مثلت بصدق نموذج الإعلام الحكومى إبان الحقبة السوفيتية.. فقد كانت تلك الوكالة تعيش فى كنف الحزب الشيوعى السوفيتى، وتقتات على ما يسمح بنشره الرفاق القادة، لتنقله وحدها إلى صحيفة (البرافدا) الشهيرة لسان حال الحزب! غير أن (تاس) فقدت ميزة احتكار الأخبار الحكومية وغير الحكومية، بعد أن أصبح الحزب والدولة فى خبر كان! حينها أجبرت (تاس) على مواكبة العهد الجديد، الذى سمح لوكالات أخرى بالظهور والمنافسة، ولم تجد الوكالة العتيقة سبيلا للبقاء، سوى تطوير أدائها اعتمادا على المهنية، وليس على اتصالات هاتفية من أعضاء المكتب السياسى للحزب! فى كل أرجاء الدنيا تنطلق وكالات أنباء شابة، لتناطح الوكالات العالمية، على الأقل فى ما يخص الأخبار المحلية، بينما تكتفى وكالة أنباء الشرق الأوسط بوصف نفسها بأكبر وكالة عربية وأفريقية، وهو وصف تستحقه عن جدارة، مقارنة بوكالات الأنباء فى الجماهيرية الليبية الشقيقة، أو فى جمهورية بوركينا فاسو الصديقة! أيها السادة أصحاب النية الحسنة:إذا كنا نتحدث عن تطوير الإعلام ونطالب بامتلاك قناة فضائية قادرة على المنافسة، يجب أن نسعى أولا لتكون لدينا وكالة أنباء حقيقية، لا وكالة أنباء سرية! [email protected]