من صمت دفين ظلت تكتمه داخلها طوال جلسة استمرت 3 ساعات لم تنطق فيها إلا بكلمات وعبارات متقطعة لترسم فى النهاية ملامح قصتها، منذ أن خرجت من حضن أسرتها المكونة من 4 أشقاء وأم تزوجت بآخر بعد أن مات زوجها.. هنا قررت ريم التى لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها أن تهرب من منزلها وتلجأ إلى الشارع الذى بات بالنسبة لها ورغم كل قسوته «أحن» عليها من ذويها. البداية كما ترويها ريم تبدأ منذ أن بلغت 11 عاما وبدأت علامات الأنوثة تظهر عليها، كانت كغيرها من المراهقات تنجذب لابتسامة شاب، أو تقوم بأفعال طائشة على حد وصفها فتقول: «يعنى كان ممكن أرد على معاكسة جاية على تليفون البيت.. وافتح حوارات»، ريم أخت ل3 أولاد أكبرهم يكبرها ب10 أعوام، لكنه كغيره من الشباب حينما يرى أخته تسير فى طريق الخطأ يحاول بكل قوته أن يوقفها عن ذلك الطريق وهو ما فعله محمد شقيقها الأكبر الذى سمع من زملائه أن أخته «ماشية على حل شعرها» كما ذكرت ريم، وتضيف قائلة: «هما قالوا له كده وهو رجع البيت معاه حبل كبير وقاللى هعلقك علشان ما تحاوليش تخرجى برة البيت تانى». وبالفعل علقها شقيقها من رجليها فى المنزل وظلت يومين «معلقة» تصرخ لمن حولها ولا أحد يجيبها، إلى أن أصدر «الحبل » الذى علقت منه قراره فى صمت بألا تمشى ريم على قدميها أبد الدهر، فما فعله أخوها كان سببا فى إتلاف وموت خلايا عظام الساق، وهو ما أكده الأطباء عندما قاموا ببتر ساقيها. التحول الذى طرأ على حياة ريم لم يكن سهلا، ولم يكن أيضا بداية لتقويم سلوك طفلة مراهقة، ولكنه كان بداية لعهد جديد مع التشرد صنعته لنفسها، وما كان منها سوى اللجوء إلى الشارع بكل إرادتها، كل ذلك بدأت فعله بعد خروجها من المستشفى تمشى على أجهزة تعويضية. «ريم» لم تعد تعرف ملامح أشقائها، ولم تعد تتذكر أمها، كما أنها لا ترغب فى معرفة أى شىء يتعلق بأسرتها أو بماضيها معهم، وكل ما تتذكره والدها المتوفى، فتقول: «أبى كان يعمل أرزقى، لم يحاول أن يضربنى لأى سبب من الأسباب، حتى لو ارتكبت خطأ ما، فكان عقابه لى دائما أن يقاطعنى لمدة طويلة أو يحجب عنى مصروف المدرسة، وكم تمنيت أن أصبح طبيبة حتى يشعر أبى بالفخر ولكنى لم أكمل الدراسة وخرجت من الإعدادية بعد وفاة أبى مباشرة». ريم تتذكر طفولتها وقت أن كانت فى حضن أم وأب وأسرة تتمتع بدفء، تصمت طويلا حتى تبدأ فى سرد واقعها المرير المحفور بداخلها: «عندما عذبنى أخى كان يتوقع أننى لست بكرا، ولكن الأطباء أثبتوا أننى بكر، وأنه توهم عكس ذلك». لا يمكن لريم أن تنسى ما حدث لها فى إحدى ليالى فصل الشتاء القارس، حيث خرجت مفزوعة من منزل رجل عجوز استدرجها إلى بيته بحجة إنقاذها من البرد، واعتدى عليها، وكان سببا فى قتل الطفولة بداخلها وإدخالها مرحلة أخرى جديدة قبل الأوان. «ريم» تتذكر المشهد وكأنه حدث بالأمس رغم مرور ثلاث سنوات عليه، فتحكى قائلة: «كنت نائمة فى الشارع أرتعد من البرد إلى أن مر ذلك الرجل، وطلب اصطحابى إلى بيته حفاظا على نفسى من البرد ووافقته، ولكنه كان سكران واعتدى علىّ»، تنهى قصة اغتصابها بجملة واحدة قالتها: «لن أنسى أبدا ما حدث لى فى تلك الليلة» لأنه وكما قالت: «بداية الضياع». ريم لم تعد أحلامها تشبه مثيلاتها فى العمر لكنها تحلم بالزواج العرفى من أحد أولاد الشوارع الذى تعرفت عليه مؤخرا.