«الرجل ده طيب والمشكلة فى الشلة المحيطة».. هذه العبارة تسمعها فى كل سنة حكومية، بل أصبحت من أبرز العبارات فى الثقافة المصرية الوظيفية، ولا أعرف كيف يكون المسؤول «طيب أو كويس»، ومن حوله أشرار، رغم أنه صاحب قرار الاختيار.. هذا الأمر ليس له سوى تفسير واحد أن الموظف المصرى يرفض انتقاد المسؤول الأول، ويفضل أن يصب غضبه دائماً على رقم 2 أو 3. لم أعرف مسؤولاً مصرياً تم عقابه أو مساءلته بسبب اختياراته، حتى بعض القضايا التى تم تفجيرها ضد بعض الموظفين الكبار، مثل يوسف عبدالرحمن أو محمد الوكيل أو محمد فودة أو غيرهم، لم يحاسب من اختارهم أو رشحهم أو زكاهم أو منحهم النفوذ لارتكاب جرائمهم. هناك قصة مشهورة عن جاسوس سوفيتى جندته المخابرات الأمريكية، واتفقوا معه على طريقة لإرسال راتبه وعقدوا معه صفقة جديدة من نوعها تمنع لقاءاته بهم إطلاقاً، مقابل أن يختار الأسوأ فى كل مكان يكون فيه صاحب قرار الاختيار.. وسار الاتفاق على هذا ليؤكد ذكاء الأمريكان فى تدمير منافسهم. مسؤولون كثيرون فى مصر يجمع الناس على عدم صلاحيتهم وتدنى كفاءتهم، وتحوم حولهم الشائعات عن وجود صلة قرابة تجمعهم بمسؤول أكبر وغير ذلك، ولا أحد يخرج لينفى هذا الكلام أو يدافع عن الاختيار أو يقدم مبررات مقنعة للشعب.. والأغرب أن بعض الانتقادات ضد هؤلاء المسؤولين الفاشلين تصدر من أناس ينتمون للنظام الحاكم. سألت مرة أستاذى الدكتور محمود خليل، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام، لماذا تكون امتحاناتك صعبة فأجاب: «وضع الامتحان مهارة واختبار للمدرس وليس للطالب فقط».. لم أعرف قيمة جملته إلا عندما واجهت امتحاناً لأستاذ آخر مختزل فى «اكتب المنهج»، فقد كانت كل الأسئلة «اكتب ما تعرف عن»، ثم سرد كل عناوين فصول المقرر.. وقتها احتج كل طلاب دبلوم الدراسات العليا فحضرت د. ماجى الحلوانى ود. ليلى عبدالمجيد وقررتا أن يكون الامتحان اختيارياً وهو ما يعنى إلغاء نصف الأسئلة.. ومع ذلك احتجنا لوقت إضافى، فقررت د. ليلى أن يكون ثلاث دقائق فقط، وعندما ثار زميل لنا كنا نطلق عليه «المخرج أشرف» ثورة كبيرة، واعتقدنا أنه سيطالب بنصف ساعة على الأقل، فإذا به يردد: «عايزين خمس دقائق»، فنظرت إلى صديقنا الكاتب الصحفى الساخر والإنسان الجميل محمود معروف واستمررنا فى الضحك. لكن كلمات د. خليل ظلت عالقة فى ذهنى «التقييم مهارة لا يجيدها الكثيرون» واكتشفت أن وضع معايير للاختبار مهارة يفتقدها كبار المسؤولين، ولا أعرف متى ستعرف مصر طرقاً جديدة للاختيارات العلنية بدلاً من نظام «التعيين السرى»، الذى يصدم المواطنين بل والأسوأ التعنت فى استمرار المسؤولين رغم موجات الفشل التى يمارسونها دورياً دون أن يعرف الشعب لماذا الاختيار؟! ولماذا الاستمرار؟! .. قد يعتقد البعض أن التغيير ضد الاستقرار، وهذا الأمر قد يكون صحيحاً لو كان التغيير للتغيير، لكن عندما تكون النظرية عكسية بمعنى أن يكون عدم التغيير من أجل أشخاص أو عدم القدرة على اتخاذ القرار فهو أمر صعب، وذلك لو افترضنا حسن النية، لأن استمرار أى مسؤول فى موقعه، رغم فشله، لا يخرج عن ثلاثة احتمالات، إما أن صاحب قرار الاختيار لا يقدر على التقييم، أو تربطه حسابات شخصية «أو بيزنس» أو صلة قرابة مع الفاشل، أو أنه يدير المنظومة بطريقة العزبة.. يختار ما يشاء، لأن أحداً لا يستطيع حسابه!!