استجابة لشكاوى أولياء الأمور.. مدير تعليم القاهرة تتفقد مدرسة الأبطال    وزير السياحة يتابع مستجدات العمل بمنظومة التأشيرة السياحية عند الوصول استعدادا للتشغيل التجريبي بالمطارات    القناة 14 الإسرائيلية: من غير المستبعد أن تتزايد هجمات إسرائيل على لبنان وصولا إلى تصعيد كامل    أحمد عيد عبد الملك يعلن رحيله عن تدريب الداخلية    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخر إثر اصطدام لودر بسيارة ملاكي في البحيرة    نتنياهو: إيران تحاول إعادة بناء محور التهديد وسنمنع ذلك فى لبنان وغيرها    بنك مصر والمجلس القومي للمرأة يوقعان بروتوكول تعاون لتعزيز الشمول المالي    رئيس مجلس الدولة يستقبل وفدًا من كلية الحقوق بالجامعة الخليجية    شيخ الأزهر يهنئ السلطان هيثم بن طارق والشعب العماني باليوم الوطني    مساعد وزير الخارجية يشيد ببرامج الاتحاد الأفريقي لإعادة إعمار الدول الخارجة من النزاعات    دموع الإيمان تهز القلوب، الشرقية تكرم عبد الله رغم عدم فوزه في "دولة التلاوة" (صور)    مهرجان شرم الشيخ المسرحى يكرم مخرجى الألفية الثالثة.. تفاصيل    سانوفي تطلق دواء "ساركليزا" في مصر لتمنح مرضى سرطان المايلوما المتعددة أملًا جديدًا في العلاج    محافظ الفيوم يوجه بسرعة رفع مخلفات الطبقة الأسفلتية القديمة بشارع عدلي يكن لتيسير الحركة المرورية    عضو الحزب الجمهورى: إسرائيل لا تعترف بأى قرار ولا تحترم أى قرار دولى    سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار في بنك الخرطوم المركزي (آخر تحديث)    محافظة الجيزة: غلق كلي بطريق امتداد محور 26 يوليو أمام جامعة النيل غدا الجمعة    الداخلية تضبط صاحب فيديو «عصا البلطجة» بالجيزة    يونيفيل: استقرار هش على طول الخط الأزرق ونسير دوريات مع الجيش اللبناني    جينارو جاتوزو: منتخب إيطاليا لا يزال هشا    فقرة بدنية في مران الزمالك قبل مواجهة زيسكو    رئيس كوريا الجنوبية: أحب الحضارة المصرية وشعبنا يحبكم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا    الشيخ رمضان عبد المعز: العمل الصالح هو قرين الإيمان وبرهان صدقه    وكالة الطاقة الذرية تدعو إلى مزيد من عمليات التفتيش على المواقع النووية الإيرانية    مستشفى الناس تحتفل بتدشين أول وأكبر مركز مجاني لزراعة الكبد بالشرق الأوسط وتعلن تحولها لمدينة طبية    محافظ القليوبية يُهدي ماكينات خياطة ل 15 متدربة من خريجات دورات المهنة    إيقاف بسمة وهبة وياسمين الخطيب.. الأعلى للإعلام يقرر    شركة مياه القليوبية ترفع درجة الاستعداد للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    وزير الرياضة: نمتلك 55 محترفاً في دوري كرة السلة الأمريكي NBA    ارتفاع أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 20 نوفمبر 2025    الموسيقار عمر خيرت يتعافى ويغادر المستشفى    من زيورخ إلى المكسيك.. ملحق مونديال 2026 على الأبواب    النائب محمد إبراهيم موسى: تصنيف الإخوان إرهابية وCAIR خطوة حاسمة لمواجهة التطرف    محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب وعدد المترشحين بها    حل الأحزاب السياسية في مصر.. نظرة تاريخية    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    إيمان كريم: المجلس يضع حقوق الطفل ذوي الإعاقة في قلب برامجه وخطط عمله    عقوبات قاسية على نادي "ألو إيجبت" بعد أحداث مباراة القناطر الخيرية    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل لجنة حماية المتعاملين وتسوية المنازعات في مجال التأمين    والده ل في الجول: أشرف داري لا يفكر في الرحيل عن الأهلي    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    ماذا يحدث لجسمك بعد الإقلاع عن التدخين؟.. الصحة توضح مراحل التعافي    سبورت بيلد: صلاح هو المشكلة الأكبر أمام تألق فيرتز في ليفربول    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع تدريجي فى درجات الحرارة.. والعظمى 27 درجة مئوية    د. شريف حلمى رئيس هيئة المحطات النووية فى حوار ل«روزاليوسف»: الضبعة توفر 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا والمحطة تنتقل إلى أهم مرحلة فى تاريخها    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطوير الأقصر:الحلقة الأولى ..مخططات الحكومة تصطدم بحقوق الأهالى

اصطدمت خطة تطوير مدينة الأقصر بالعديد من المشاكل أبرزها رفض الأهالى نزع ملكية الأراضى الواقعة ضمن خطة التطوير.. المشكلة الكبرى تتمثل فى قرية المريس، التى صدر قرار بنزع ملكية 550 فداناً من أهاليها لإقامة مرسى سياحى وفنادق عليها، ويرفض الأهالى هذا القرار، مؤكدين استعدادهم للتصدى له بكل الطرق والوسائل الممكنة، وأشار بعضهم إلى وجود مشروع بديل قدمه المهندس ممدوح حمزة، إلا أن الحكومة رفضته لأنه يقترح إنشاء المشروع على أراض يملكها رجال أعمال،
وفى الوقت نفسه يواجه مشروع تطوير طريق الكباش مشاكل مشابهة، بسبب عدم تعويض من تم نزع ملكية أراضيهم.. إلى جانب معاناة أهالى القرنة الجديدة الذين اكتشفوا تصدع منازلهم بعد تسلمها بشهور قليلة، وانتقلوا إليها بعد نزاع مع الحكومة استمر ما يزيد على 50 عاماً، بحجة أن منازلهم فى القرنة القديمة مبنية فوق مقابر فرعونية.
قرية المريس مهددة بفقد روحها الريفية، باعتبارها حزاماً أخضر مطلاً على النيل مميزاً للمدينة الأثرية، «المصرى اليوم» حاورت الأهالى الرافضين، وتعرض اليوم وغداً أسبابهم للرفض، على أن تنشر وجهة نظر محافظ الأقصر وما يدور فى عقله عن تطوير المحافظة فى الحلقة الثالثة بعد غد.
«المصري اليوم» تكشف بالخرائط: المخطط الشامل لتنمية الأقصر حدد الضفة المقابلة للقرية لتنفيذ المرسى الجديد
«المريس» فى اللغة المصرية القديمة تعنى الأرض المحببة إلى «طيبة»، والمساحة الشاسعة من الخضرة التى تميزها ترسم مع لون مياه النيل الصافية مشهداً من المشاهد التى رسمها المصريون القدماء على جدران معابدهم.. رحلة «عيد الوادى السعيد»، حيث كانت قوارب الكهنة تتجه إلى وادى الخلود فى البر الغربى، لتصل إلى مدينة الموتى فى الهضاب، يحتضنها النيل وتعانقها الأرض الزراعية شديدة الخصوبة لتصل بها إلى أفق الأبدية، حيث يبدأ النور فى العالم الآخر.
فى هذا المكان حيث ولد «فجر الضمير» الذى يمثله الفلاح المصرى القديم، يترقب أهالى قرية المريس بالأقصر تنفيذ قرار الحكومة بنزع ملكية 550 فداناً من أجود الأراضى الزراعية فى مصر، مزروعة بعدة أنواع من المحاصيل هى: القمح والطماطم والخس والبصل، ليحل محلها100 فندق عائم ومرسى للزوارق الخاصة، المكان كله يحمل طابعاً مختلفاً منذ رؤيته من أعلى كوبرى الأقصر وحتى تنزل بقدميك على أرضه، فتلتقى بأهله الذين لا ترى لهم أثراً من أعلى الكوبرى، لكنهم فى الحقيقة يملأون المكان نماء وخضرة.
وسط ذلك المشهد الخلاب الذى تجسده القرية، يظهر جلباب أسود وشال صعيدى يغطى أغلب الوجه، الذى ملأته تجاعيد وتفاصيل 70 عاما من العمل والشقاء، وبمشاعر غاضبة تعلن «نسوم حسن إسماعيل» إنها لا تتردد فى الوقوف بين الرجال للمطالبة بوقف مشروع تحويل أرض المريس الزراعية إلى مرسى سياحى، وبلكنتها الصعيدية تقول: «إحنا ناس غلابة فتحنا عيوننا على الأرض الزراعية، عمرنا كله فيها وأكل عيالنا منها، نروح فين دلوقتى بعد ما عدينا السبعين، وإحنا مش بلد سياحى، سبنا السياحة لأهل الأقصر ومش عاوزين منهم حاجة، هما بندر وإحنا فلاحين لا هنروح عندهم ولا هما يجوا عندنا».
ترمى طرحتها على كتفها وتحكى بحسرة عن أمجاد زوجها «قناوى أحمد»، الحاصل على المركز الأول لأجود أرض فى زراعة قصب السكر على مستوى الجمهورية طوال ال8 سنوات الماضية، تقولها بكل فخر «الفدان الواحد يحصد 80 طن قصب كعدد سنين عمرنا».
مشروع التنمية الشاملة لمدينة الأقصر الذى يتم بالتعاون بين المدينة ووزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية وجهاز البحوث والدراسات التابع للوزارة بالإضافة إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، وتحت رعاية السيدة سوزان مبارك، أكد فى أولوية اتجاهاته لتنفيذ التنمية الشاملة للمدينة أن افتتاح الكوبرى الجديد الذى يربط بين شرق الأقصر وغربها سيساعد على زيادة النمو فى جنوب المدينة، وبالتالى فإنه «إذا لم يتم إنشاء مدينة جديدة جنوب مدينة الاقصر،
فسوف يتجه الزحف العمرانى إلى الجنوب ليغزو مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية، ما يؤدى إلى تغيير النسق الثقافى والحضارى للأقصر ويقلل بشكل ملحوظ من جاذبية المشاهد الطبيعية الخلابة للمدينة»، ورغم ذلك صدر القرار الحكومى رقم 264 بنزع ملكية أراضى قرية المريس الزراعية وفق قانون المنفعة العامة لتنفيذ مشروع «المرسى السياحى» والفنادق العائمة، بما يخالف تلك الاتجاهات التى أشارت إلى الحفاظ على الأراضى الزراعية باعتبارها جزءاً من النسق الحضارى والثقافى للمدينة.
فى البيوت الطينية التى يسكنها أهالى القرية لا تسمع سوى المطالبة بنقل أصواتهم إلى المسؤولين، «اتركونا على حالنا»، يتساءلون عن المنفعة العامة التى ترتبط بتشريد ما يقرب من 10 آلاف نسمة وهدم 2000 منزل وتجريف وتدمير 550 فدانا من أجود الأراضى الزراعية، ويؤكدون أن الدولة عندما قررت بناء كوبرى الأقصر لم يعترض الأهالى أنفسهم على نزع ملكية أراضيهم لاقتناعهم بأن الكوبرى الذى سيربط بين الشرق والغرب هو المنفعة العامة بعينها، لكنهم لا يستطيعون الآن التضحية بعرضهم- كما يسمون الأرض- للترفيه عن السياح فى مراكب وفنادق عائمة،
وهو ما قال عنه سامى أحمد عبدالله، أحد سكان القرية: «قريتنا الوحيدة التى حافظت على الأراضى الزراعية المطلة على النيل مباشرة ولم نستغلها فى بناء المنازل كما فعل غيرنا، كما حافظنا على جودة الأرض الزراعية، حيث تمنح الأرض المطلة مباشرة على النيل الدرجة الأولى من المحاصيل، لاستفادتها من الطمى بشكل مباشر لسنوات طويلة، والآن يريدون تدمير كل هذا من أجل مرسى سياحى».
الغريب فى الأمر أن مخطط التنمية الشاملة لمدينة الأقصر والذى حصلت عليه «المصرى اليوم» يتطابق مع وجهة نظر الأهالى، حيث أكد أن مشاريع التنمية ستتم على أراض ذات تربة من الحجر الجيرى، وأنها لن تأتى على حساب الأراضى الزراعية،
كما أوضحت خرائط المخطط الهيكلى لتنمية مدينة الأقصر أن مشروع المرسى السياحى يقع فى الجنوب على البر الشرقى المقابل لقرية «المريس» وليس البر الغربى، وأكد المخطط أن «تطوير ميناء الفنادق العائمة الجديدة فى جنوب الأقصر وعمليات التنمية الرئيسية المقترحة للأقصر الجديدة سيحدث ميلاً طبيعياً لقيام مستوطنات عشوائية على الأراضى، وبصفة خاصة على واجهة نهر النيل تمتد جنوبا إلى منطقة الميناء الجديد، وهذه أراض زراعية بالدرجة الأولى يفترض أنها محمية بقرار جمهورى يمنع البناء عليها»،
ورغم ذلك فإن أهالى المريس أكدوا أنهم منذ صدور قرار تخصيص 550 فدانا من أراضيهم الزراعية لعمل المرسى السياحى، اتبعوا الإجراءات القانونية لوقف تنفيذ ذلك القرار، ورفعوا دعاوى قضائية أمام محاكم القضاء الإدارى، وتقدموا باستغاثات متعددة لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ورغم ذلك أغفل الجميع القانون الذى نص على أن «وزير الزراعة يملك سلطة إزالة أى عمل أو امتناع من شأنه أن يؤدى إلى تبوير الأراضى الزراعية».
ويندرج تحت مصطلح أعمال التبوير كل الأعمال التمهيدية التى يقوم بها المخالف لإقامة بناء على الأرض الزراعية كحفر الأساسات ووضع السملات أو إقامة سور أو جدران على هذه الأرض قبل أن يكتمل البناء، وقد حظر القانون كل هذه الأعمال على الأرض الزراعية، وعليه فقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه:
«يحق لجهة الإدارة إزالة الأسوار والجدران التى تقام على الأرض الزراعية طبقاً لأحكام المادتين 151 و155 من قانون الزراعة باعتبار أن هذه الأعمال من أعمال التبوير والسكوت عليها أو تركها حتى إتمام البناء فيه إهدار للأرض الزراعية، لذا فلا جناح على جهة الإدارة إن قامت بإزالة الأعمال المخالفة، حفاظاً على الرقعة الزراعية وحتى لا يتمادى المخالف، ولا يوقفها عن هذا بناء سور حول المخالفات وإلا كان ذلك تحايلاً على القانون ومكافأة للمخالف ليستمر فى المخالفة.
لم يتوقف اعتراض سكان المريس على قرار نزع الملكية عند الإجراءات القانوينة، بل بدأوا فى تنظيم أنفسهم والاستعداد لأى محاولة لإجلائهم عن أراضيهم، فكونوا لجنة شعبية للدفاع عن الأرض، وأوكلوا مهمة الحديث لوسائل الإعلام لعدد منهم، وحاولوا التفاوض مع الدكتور سمير فرج، محافظ الأقصر وإقناعه بأهمية الأرض لهم ولأسرهم.
المهندس عطية محمود أحد أعضاء اللجنة شرح الوضع قائلاً: «وعدنا المحافظ بإيصال صوتنا إلى رئاسة الوزراء، للبحث عن مكان بديل للمشروع، لكننا فوجئنا به يصرح لوسائل الإعلام بأنه سيهد كل شىء يقف فى طريق التنمية، وراح ينفى ملكيتنا للأرض ويؤكد أنها أراضى الدولة والاستصلاح الزراعى، رغم علمه بأننا تملكنا تلك الأراضى ودفعنا كامل أقساط ثمنها، بالإضافة إلى أنه بدأ بطلب نزع 250 فداناً فقط لإقامة المشروع عليها، ثم رفعها إلى550 فدانا».
وللحقيقة أصر كل أهالى المريس على الاعتراف بما أنجزه المحافظ خلال ال4سنوات الماضية فى الأقصر، والتى تفوق ما تم عمله من مئات السنين، كما أكدوا أنهم ليسوا ضد التطوير والتنمية، واستشهدوا بمواقفهم أثناء بناء الكوبرى، إلا أنهم يرفضون تماماً ترك أراضيهم أو التعويض عنها بأى مقابل مادى.
أمام باب منزلها اتكأت هانم على والتف حولها أحفادها المقيمون معها فى المنزل نفسه الذى يطل مباشرة على النيل الذى لا يفصلها عنه سوى مساحة صغيرة من الأرض الزراعية، وبلهجة صعيدية واضحة قالت: «من طلعتنا عيال وجدود جدودنا وناسنا وأهالينا فى المكان ده، وما مشيوا على أرض غيرها، كل اللى سمعناه حكاوى عن أن المسؤولين هياخدوا الأرض، إزاى ياخدوها ونروح فين إحنا، أنا عندى 5 أولاد ولا واحد فيهم بيشتغل غير بالزراعة، نعمل إيه بعد ما ينفذوا حكاويهم وياخدوا الأرض، ولو هياخدوها يقتلونى ونموت ببيتنا».
وعلى بعد مترين من الحاجة هادية افترش حسن أحمد عبدالله «المصطبة» التى تتصدر واجهة منزله، وجلس يتفحص بعينيه المارة، يبحث بينهم عن غريب، يسأله عن سبب وجوده، ويدقق فى كلماته خوفا من أن يكون أحد المسؤولين عن تنفيذ قرار نقل سكان المريس، وبعد أن اطمأن لنا قال:
«المرسى اللى عاوزين يعملوه يكون فى النيل مش فى أرض الناس، ليه ميعملهوش فى الشرق ويبعدوا عن أرضنا، أنا من مواليد 1950 فى المكان ده وفيه غيرى أكبر منى هيعملوا إيه، ومهما عوضنى مش هيكون زى ملكى، وحتى لو عوضنى ببيت كويس هسيب جنينة زرعتها فاكهة من أجمل ما يكون، وأرضى اللى بتأكلنى وولادى.. مفيش كلام عن تعويض ولا عن ترك بيوتنا وملكنا، احنا مش هنشاكل الحكومة، لكن هنشكوهم لله، ووقتها يبقوا اغتصبوا الأرض مش حققوا المنفعة العامة».
فكر الأهالى فى كل الطرق والوسائل اللازمة للوقوف ضد القرار، اتجهوا إلى اختيار مكان بديل ومناسب لإقامة المشروع بأقل الخسائر، توجهوا إلى الدكتور ممدوح حمزة الاستشارى الهندسى العالمى، عرضوا عليه مشكلتهم وطلبوا منه التدخل لإيجاد حل لها، انتقل حمزة إلى المريس، واكتشف أن المشروع الأصلى به عدة عيوب تعوق تنفيذه، فنيا وأمنيا وحضاريا، على رأسها أنه سيتسبب فى تكديس 11 ألف غرفة سياحية تضمها 180 مركبا فى مساحة لا تتعدى 2 ونصف كيلو متر، وبالتالى تحميل ما لا يقل عن 16 ألف سائح فى تلك المساحة الضيقة.
وحذر حمزة من أخطار ذلك التكدس من الناحيتين البيئية والأمنية، وعاب على المشروع وجود مدخل واحد للميناء، يتم استخدامه كمخرج أيضا، كما اكتشف أن الموقع الذى تم اختياره للمشروع هو المجرى الملاحى الرئيسى للنيل، وهو ما سيتسبب فى تكوين طابور طوله لا يقل عن 7 كيلومترات من المراكب فى مدخل المجرى.
وأوضح حمزة أن مشروع المرسى سينتج عنه تجريف ما لا يقل عن 250 فدانا، وتحويل مثلها من أراض زراعية إلى أراض تباع للمستثمرين، وما إن وقعت عيناه على الجانب الآخر من النيل فى البر الشرقى، الذى يعتبر ميناء طبيعياً لن يحتاج إلى التجريف الذى سيحدثه المشروع للأراضى الزراعية فى البر الغربى، حتى بدأ فى دراسته كموقع بديل،
وتأكد أن ذلك المكان على الجانب الآخر من النيل هو الأنسب للمشروع لعدة أسباب أهمها أنه سيساعد على زيادة التنمية السياحية فى تلك المنطقة وبتكلفة مادية أقل، وسيحافظ على البعد الأمنى لمنطقة سياحية ستستقبل عدداً كبيراً من السياح،
كما أنه يتماشى مع مخطط التنمية لمنطقة الطود وإمكانية ربط منتجعات الفنادق السياحية بها بمرسى الفنادق العائمة عن طريق الكورنيش، وقدم حمزة مشروعا بديلا أنقذ به أراضى المريس من التجريف وتمسك به الأهالى وطلبوا من المحافظ أخذه بعين الاعتبار ودراسته بشكل جدى ليكون بديلا لنزع أراضيهم.
بعد ذلك فوجئ الأهالى بتجاهل المشروع البديل وشعروا بإصرار الحكومة على نزع أراضيهم دون سبب منطقى، خصوصا أن الجهة الأخرى من النيل هى الممر الأساسى للبواخر السياحية وليس جهة أراضى المريس، واعتبروا أن الاسباب كما ذكرها عطية محمد، أحد الأهالى، ترجع إلى أن «الضفة المواجهة للمريس التى اقترحها ممدوح حمزة لإقامة المشروع البديل، عبارة عن عدة أفدنة صحراوية وفى غرب النهر ومعظمها أملاك دولة، ولكن تم بيعها إلى بعض رجال الأعمال الذين يصعب نزع ملكية الأرض منهم».
وتساءل عبد العزيز عمران- أحد الأهالى- عن التعويضات التى عرضها محافظ الأقصر على أصحاب الأراضى الزراعية التى وصلت إلى 250 ألف جنيه للفدان وقال: «كيف يعرض المحافظ هذا المبلغ لأرض تطل مباشرة على النيل وتتميز بجودة عالية جدا فى الوقت الذى اشترى هو نفسه فدان أرض أخرى فى وسط المدينة ب21مليون جنيه»، مؤكداً أن المقارنة ليست بهدف زيادة قيمة التعويضات، ولكنها لإثبات أن الحكومة تريد أن تأخذ الأرض من أصحابها بأبخس الأثمان، وأشار إلى أنهم لن يتنازلوا عن شبر واحد من أرضهم ولو بملايين الجنيهات.
يختلف الأمر بالنسبة ل«على السيد عمار» فحالته المادية بسيطة جداً، ولا يملك أرضاً زراعية بالمريس، وكل ما يملكه هناك منزل بسيط على مساحة نصف قيراط يطل على أرض زراعية، يبيع الحلوى بغرفة صغيرة بطابقه الأرضى، وينفق من عائدها على أبنائه الخمسة، إلا أنه قال «وعدونا بالعمل فى المشروع الجديد لكن الواقع يقول إن المستثمرين بييجوا جاهزين بعمالهم، ولن نجد شغل فيه سوى فراشين أو جناينية، فلا نعرف لغة ولم نعمل بالسياحة من قبل، يعنى قلة قيمة».
فى الوقت نفسه أكد رجب أبوالحسن أنه كباقى أهل القرية لن يقف ضد منفعة عامة تخدم أهل البلد، وهو ما جعله يتنازل عن نصف فدان من أرضه، لإنشاء كوبرى يربط البرين الغربى بالشرقى، ولكنه يرى أن المستفيد الوحيد من المرسى هو المستثمر وحده دون أى نفع يعود على السكان الأصليين للمكان».
الكلام نفسه تقريباً ردده أحمد وهدان حسن، فأثناء قيامه بجمع محصوله من الطماطم والخس البلدى والبصل، قال إنه لن يترك أرضه إلا بموته، مشيراً إلى أن أرضه «نمرة 1» من حيث خصوبة التربة التى تصلح لزراعة كل أنواع النباتات، وقال: «أنا عندى 7 عيال عايشين من خير الأرض دى، إزاى أوافق أنهم ياخدوا أرضنا ويدوها للخواجات، وناس مايعرفوش قيمة الأرض الزراعية، الأرض كالعرض لا يعوضنا عنها لا بيت ولا أموال الدنيا».
من النقاط التى أكد عليها السيد محمود رفاعى، أحد أعضاء اللجنة الشعبية بالمريس، أن المنطقة محل النزاع تضم عدة مبانٍ خدمية، أولها: الوحدة الصحية الوحيدة بالقرية ضمن الخمسمائة فدان المطلوبة للمشروع، وبعض المعاهد الأزهرية، ووحدة الشؤون الاجتماعية الوحيدة، ومرشح المياه الوحيد أيضاً، وهو ما يعنى القضاء على أغلب المشروعات الخدمية، وبذلك لن يتم تدمير الأفدنة الخاصة بالمشروع فقط، ولكن قرية بأكملها على مساحة 3 آلاف فدان تقريباً.
وتابع: «رفضنا تدخل أى حزب فى اللجنة الشعبية، لنتلاشى الدخول فى أى خلاف سياسى، ولكن المشكلة بدأت منذ مطالبة المسؤولين بضم قصر البرنس يوسف كمال الموجود بالقرية إلى الآثار، وتم ضمه إلى وزارة الاستثمار بدلا من الآثار، ولا نعرف السبب، ومنذ ذلك الوقت توجهت الأعين إلى القرية بموقعها المتميز على النيل، وأصبحت مطمعاً لإقامة المشروعات عليها، دون النظر إلى أهميتها كأجود الأراضى الزراعية فى الأقصر، لم تكن ملكاً لأصحابها، ولكن نقلت تبعيتها من الإصلاح الزراعى إلى المزارعين، وأصبحوا يمتلكون الآن عقود تمليك تحميهم من نزع الأراضى دون رضاهم، أو الوقوع فى فخ العقود العرفية التى لا يعترف بها القانون».
غداً
ضحايا التطوير يتحدثون:
المحافظ انتزع أملاكنا ولم يعوضنا
وبعد غد.. المحافظ يرد: كل مواطن أخذت بيته أعطيته أكثر من حقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.