ليست سوى واحدة من مئات المجازر التى ارتكبها محتلو الأراضى الفلسطينية، جيوشا ومستوطنين وأفراداً، إنها مذبحة الحرم الإبراهيمى التى استشهد خلالها عشرات المصلين برصاص المتطرف اليهودى باروخ جولدشتاين فى مذبحة جماعية تحل اليوم ذكراها ال 15 وسط تفاعلات سياسية عدة تشهدها الساحة الإسرائيلية حاليا من عودة طاغية لتيار اليمين المتطرف، لا على مستوى الحكومة فحسب، بل على مستوى الشارع وبين الرأى العام، وهذا هو الأخطر، لكل ما يحمله من دلالات تلقى بظلالها على فلسطينيى الأراضى المحتلة، سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة، أو حتى بين عرب 48، الأكثر احتكاكا وتأثراً بتغيرات الساحة السياسية فى إسرائيل، التى من غير المستبعد أن تعيد فرز نموذج صارخ للإرهاب الصهيونى كذلك الذى مثله جولدشتاين فى حينه. ففى فجر مثل هذا اليوم قبل 15 عاما، الذى وافق 15 من رمضان 1414هجريا، اقتحم الإرهابى اليهودى - أمريكى الأصل - جولدشتاين الحرم الإبراهيمى وفتح النار على من فيه من مسلمين كانوا يؤدون صلاة الفجر، فى مجزرة تؤكد ملابساتها أنها تمت بشكل جماعى وبتواطؤ مع الجيش الإسرائيلى، إذ جاءت بمثابة 3 مذابح فى واحدة، شارك فيها كل من الجيش، وجموع مستوطنى مستعمرة «كريات أربع» المجاورة، مع السفاح جولدشتاين. أصرت آلة الإعلام الإسرائيلية ومعها الغربية آنذاك على تناول مذبحة الحرم الإبراهيمى (الخليل) باعتبارها «جريمة فردية»، لمنفذها جولدشتاين، رغم كل ما تردد عن تكاتف مستوطنين مسلحين وأفراد من الجيش معه فى إطلاق النار بشكل جماعى على المصلين، إلا أن الرواية التى ظل الإعلام الإسرائيلى يروج لها هى أن جولدشتاين انفرد بإطلاق النار على المصلين، الذين تراوحت أعداد الضحايا بينهم بين 29 و90، فى حين يذكر المؤرخ الراحل عبد الوهاب المسيرى فى موسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية» أن عدد قتلاها بلغ 60، إضافة إلى عشرات المصابين، قبل أن يفيق الجنود من سباتهم وينقضوا عليه لقتله. ويروى شهود أن المصلين المتراصين فى صفوف خلف بعضهم البعض فى البداية لم يجزعوا لدى سماعهم صوت الرصاص الذى اعتادوا عليه، ولكن مع استمرار الطلقات من خلفهم، ومع انتشار رائحة البارود الحى الممتزجة بالدم الحار وسماع أصوات صرخات مكتومة من الصفوف الخلفية متبوعة بصوت ارتطام أجساد بشرية بالأرض، بدأ الخلل يصيب صفوف المصلين وشرع من استطاع منهم فى الجرى فى كل اتجاه وصوب، هربا من الرصاص الذى كان يطاردهم عشوائيا، من رجال كانوا يحملون الرشاشات ويطلقونها عليهم، وخلال دقائق معدودة كان المصلون يتساقطون فى باحة المسجد الواحد تلو الآخر بين قتيل وجريح. وتجسد تواطؤ القوات الإسرائيلية فى هذه الجريمة بتغاضى الحراس عن اقتحام جولدشتاين الحرم الشريف، شاهرا سلاحه الآلى وعدداً من خزائن الذخيرة المجهزة، قبل أن يفتح النار فورا على المصلين حاصدا أرواحهم، كما قام الجنود المرابضون على بوابات الحرم بإغلاقها جميعا لمنع المصلين من الهرب، وليحولوا دون دخول أى مسعفين من خارج الحرم إلى ساحته لإنقاذ الجرحى. كما تؤكد شهادات الفلسطينيين آنذاك أن رصاص الجنود لاحق مزيدا من المواطنين خارج المسجد بعد المجزرة وأثناء تشييع جثث الشهداء، وهو ما أدى إلى تفاوت أرقام القتلى والمصابين من مصدر لآخر، نظرا لأن المجزرة تمت على مراحل. وعلى الرغم من الإدانة السريعة التى بادرت الحكومة الإسرائيلية بقيادة إسحق رابين إلى إعلانها للمذبحة، مؤكدة تمسكها بعملية السلام، سعت إلى حصر مسؤوليتها فى شخص جولدشتاين فقط، واكتفت باعتقال عدد محدود من رموز جماعتى «كاخ» و«كاهانا»، منعا لمناقضة نفسها بعدما أعلنت الجماعتان مباركتهما الجريمة.