عاش إرهابيا ومات «فاقدا للأهلية»، هكذا فضلت سلطة الاحتلال الإسرائيلية إغلاق ملف باروخ جولدشتاين، منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمى فى 25 فبراير عام 1994 لتطويق الانتقادات الدولية، التى لم تخرج آنذاك عن كونها مجرد انتقادات للمجزرة البشعة التى أودت بحياة 29 مصليًا على الأقل أثناء أدائهم فريضة الفجر، بل لإجهاض محاولات فضح ما رافق تلك الجريمة من ملابسات تؤكد أنها لم تكن عملا فرديًا بقدر ما كانت جريمة جماعية منظمة تمت بتنسيق مبيت من مستوطنين متطرفين، وبتواطؤ من جيش الاحتلال الإسرائيلى نفسه. فما أن أتت المجزرة على عشرات المصلين ما بين قتيل وجريح حتى لعبت سلطات الاحتلال على الفور لعبتها المعتادة المعروفة، وأكدت أن المجرم «مجنون وفاقد لأهليته»، ومضت مبررة ما حدث بأنه «فرغ جنونه فى أجساد المصلين»، مكتفية بالإعلان عن عمليات مداهمة اعتقلت خلالها بعض أعضاء جماعتى «كاخ» و«كاهانا» الإرهابيتين المحظورتين. فى المقابل، سكتت تلك الحكومة نفسها على إقدام المستوطنين من أقارب وأصدقاء جولدشتاين فى مستعمرة «كريات أربع»، التى انحدر منها على إقامة نصب تذكارى له وتسويق نوع جديد من النبيذ يحمل اسمه وصورته. هذا «المهووس» كما وصفته السلطات الإسرائيلية، الذى ولد فى ديسمبر 1956 فى حى بروكلين بنيويورك لعائلة يهودية متشددة، عرف طوال حياته ب «تطرفه وكراهيته للعرب»، وهو من أصل أمريكي، وهاجر إلى الأراضى المحتلة «إيمانا والتزاما بشعارات الإرهابى كاهانا»، ثم استوطن، دوناً عن مناطق ال 48، فى مستعمرة «كريات أربع» المجاورة لمدينة الخليل قبل المذبحة ب 11 عاما. ورغم أنه عمل طبيبا فى جيش الاحتلال ثم فتح عيادته الخاصة – قيل إنه كان يرفض علاج غير اليهود - كانت لجولدشتاين انتماءات سياسية معروفة، أبرزها تعاطفه مع التيار المتشدد ل «الصهيونية الدينية»، وكان عضوا فى «رابطة الدفاع اليهودية»، التى أسسها مائير كاهانا، والمحسوبة على اليمين المتطرف، ودائما ما كان يعلن عن معارضته الشديدة الانسحاب من أى جزء من الأراضى المحتلة، ويدعو فى المقابل إلى ترحيل العرب عما بقى لهم من أراضٍ بمختلف الوسائل إلى خارج فلسطين كلها، كما شارك فى عملية اجتياح لبنان سنة 1984. وقبل أيام قليلة من المذبحة التى هدف من خلالها إلى إفشال محادثات السلام وتقويض اتفاقية أوسلو، نقلت عنه إحدى الصحف الإسرائيلية قوله «هناك وقت للكشف والعلاج فى العيادة، وهناك أيضا وقت للقتل.. نحن نغش أنفسنا عندما نفكر بإمكانية التعايش مع العرب».. هذا هو ما آمن به جولدشتاين ومات من أجله، وهذا هو ما جعل منه «قديسا» بنظر المتطرفين، الذين حولوا قبره إلى مزار دينى يقصدونه للتبرك والصلاة من كل حدب وصوب، وهذا هو ما سماه مريدوه «بطولة».