فى الثانى والعشرين مِنْ فبراير 1958 انطلق الحلم الجميل الذى لم يدم أكثر من 3 سنوات تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، تلك التجربة الوحدوية العربية الفريدة التى جمعَتْ بين مصر وسوريا، وأقرّها الزعيمان جمال عبد الناصر وشكرى القوتلى، وصفّقتْ لها الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، وهتفتْ لها الحناجر، وخفقتْ لها القلوب حُبّا وتأييدا، لأنّها جسّدتْ أحلامَ الأمة وطموحاتِها، فكان الواقفُ فوق أهرامات الجيزة يهفو إلى بساتين الشام، وكان المُطلّ من قمة جبل قاسيون يرنو إلى المياه المتدفقة فى وادى النيل. جاء قيام الجمهورية وسط نهوض عارم لحركة القومية العربية واعتبرت بمثابة إشارة انطلاق لمشروع الوحدة العربية. واقترن ذلك بصعود جمال عبد الناصر، والزعامة الناصرية، وبينما أطلق قيام الجمهورية المتحدة موجة تفاؤل كبرى بين أنصار التيار القومى والمناهضين للهيمنة الأجنبية، فإنه أطلق فى الوقت نفسه موجة مضادة من المخاوف والقلق والتوقعات السلبية لدى بعض الدول تجسدت فيما جرى بعد سقوط النظام الملكى فى العراق، فبغداد الملكية والمحافظة كانت تعتبر آنذاك الخصم الإقليمى الأقوى للقاهرة والثورية. ورغم مضى أكثر من نصف قرن على وقوع ذلك الحدث الكبير فى تاريخ المنطقة العربية، فإننا لا نعرف عنه إلا القليل. وأكثر هذا القليل هو عبارة عن آراء سجالية بين الأطراف السياسية والحزبية التى ساهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة فى قيام الجمهورية المتحدة، وتنحو تلك الآراء إلى إصدار الإدانات والأحكام الأخلاقية ضد بعضها بعضاً. وتخلو من مسوغ مفهوم، مشروع أو مقبول. وفى أغلب الأحيان لا يكلف الذين يصدرونها عناء تبريرها أو تقديم حجج وبراهين مقنعة من أجل إثباتها، بل يعتمدون أسلوباً تلقينياً فى إيرادها وتكرارها ويبالغون فى الاعتماد على نظرية المؤامرة بل يعتمدونها أساساً وحيداً لتفسير الكثير من التطورات التى أحاطت بظروف ولادة ونهاية تلك الدولة العربية. وتحولت التجربة إلى ما يشبه الصندوق الأسود المغلق الذى لم يفتحه أحد.