فكرة الوحدة والاتحاد بين الأقطار العربية هي فكرة نبيلة بكل المقاييس. آمن بها وعمل عليها ثوار ومصلحون، ولعب عليها وتلاعب بها خونة ومهرجون، ودفع الثمن في كل الأحوال المواطن البسيط الذي سحبوه وارتفعوا بآماله إلي ذري عالية ثم أسقطوه هو وأحلامه من حالق!. بعض التجارب الوحدوية جدير بكل تقدير احترام مثل وحدة مصر وسورية في أول فبراير 1958 وكانت تمثل أمل الجماهير في بناء الدولة العربية القوية المنيعة، ولهذا وقفت في وجهها سيوف كثيرة حتي تم أجهاضها بعد ثلاث سنوات. في تلك الفترة شاع إنجاب التوائم الذين تسموا باسم ناصر وشكري (جمال عبدالناصر وشكري القوتلي) كتعبير عن فرحة الشعبين بالوحدة. وهناك تجربة وحدوية كيدية تم إعلانها بعد أسبوعين من وحدة مصر وسورية هي الاتحاد العربي أو الهاشمي بين العراق والأردن بقيادة فيصل ملك العراق الذي سرعان ما تم قتله وآلت زعامة الاتحاد الي الملك حسين ثم انفضت الوحدة أو ماتت أثناء النوم!. بعدها ظل الحلم يداعب الجماهير وأخذ الحكام يتسلون بمشاعر الشعوب وأصبحت بيانات إعلان الوحدة بين هذه الدولة وتلك شيئاً معتاداً وباباً ثابتاً في نشرات الأخبار مثل اتفاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في أبريل 1963، وبعده بعدة سنوات قام اتحاد الجمهوريات العربية في ديسمبر 1969 بين مصر وليبيا والسودان وحملت صحف تلك الأيام خبر المرأة الريفية التي أنجبت ثلاثة توائم ذكور أسمتهم ناصر والقذافي والنميري. بعدها وقعت مصر وليبيا اتفاقية قيام الوحدة بين مصر وليبيا في 30 أغسطس 1973 دون أن يخبرنا أحد شيئاً عن مصير اتحاد الجمهوريات الثلاثي ولا أين اختفت سوريا!. بعد ذلك خرج علينا القوم بإنشاء قيادة سياسية موحدة بين مصر وسوريا في 21 ديسمبر 1976 وسرعان ما لحقت بهما السودان وانضمت الي القيادة السياسية الموحدة.. وطبعاً أنجبت امرأة ريفية أخري سعيدة بالوحدة ثلاثة توائم أسمتهم السادات والنميري والأسد طبقاً لصحف الأخبار والأهرام والجمهورية!. لكن وفي ذروة استمتاعنا بمجموعة الوحدات التي صرنا أعضاء فيها خرجت ليبيا وسوريا بإعلان طرابلس وفيه تم إقامة دولة الوحدة بين ليبيا وسوريا في 10سبتمبر 1980، وفي 25 مايو عام 1981 قام مجلس التعاون لدول الخليج بعضوية السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان. و لما كانت ليبيا في ذلك الوقت تحمل طاقة وحدوية كبري لا يسهل استيعابها في تجربة واحدة أو اثنتين فقد دخلت في معاهدة الاتحاد العربي الأفريقي مع المملكة المغربية في 13أغسطس 1984. وسرعان ما قام اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989 بين ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. هنا وجدت مصر نفسها خارج اتحاد المشرق (مجلس التعاون الخليجي) وكذلك خارج اتحاد المغرب فشعرت بالبرد. نفس الصقيع شعر به العراق الواقع علي الخليج العربي ومع هذا تم استبعاده من المجلس الخليجي.. كذلك شعر اليمن بأنه وقع من قعر القفة رغم أنه الامتداد الطبيعي للدول الخليجية.. فما كان من الدول الثلاث غير أنها اصطحبت الأردن وأعلنت قيام مجلس التعاون العربي وبعده ارتفعت الرايات في قلب القاهرة وعمان وصنعاء ترحب بالقائد البطل صدام حسين حامي البوابة الشرقية!. وطبعاً لا تخلف المرأة المصرية وعدها كالعادة فتنجب سيدة من الصعيد هذه المرة أربعة توائم هم مبارك وصدام وصالح وحسين!. والحقيقة أن وسط كل تلك الهجايص صمدت تجربة وحدوية واحدة وأثبتت أصالتها وجدارتها وهي قيام اتحاد إمارات الخليج العربي والتي شكلت دولة الإمارات العربية المتحدة. واليوم بعد كل تلك السنين لو فكر مواطن في أن يسأل عن مصير تلك المعاهدات والاتحادات التي شغلوه بها علي مدي حقب دون أن يري لها أثراً ملموساً علي حياته والتي قام أغلبها بعد استفتاءات أيدت التجارب الوحدوية بالإجماع تقريباً.. هل يجد من يرد علي تساؤلاته ولو بمجرد الكلام الفارغ الذي لم نعتد سماع غيره منهم؟!.