كتب الأستاذ أحمد المسلمانى مقالتين فى «المصرى اليوم» إحداهما صباح أمس الأول، والثانية صباح الاثنين قبل الماضى، وكلتاهما تحت عنوان واحد هو: مصر بلا وزير تعليم! فى الأولى صب المسلمانى سوء العذاب على رأس الدكتور سرور، باعتباره أحد الذين أفسدوا التعليم، حين كان وزيراً، وفى الثانية تحول سوء العذاب من سرور إلى يسرى الجمل، لأنه لا تعليم فى عهده الآن!. وبطبيعة الحال، فقد كان هناك وزير قبل الجمل اسمه أحمد جمال الدين، وقبلهما كان هناك وزراء عديدون، منذ كان طه حسين وزيراً عام 1951، إلى هذه اللحظة، وسوف يأتى وزير آخر قطعاً، بعد يسرى الجمل، غداً أو بعد غد.. ولن ينصلح حال التعليم، لأنه لو كانت المشكلة فى الوزير، لكان حاله قد انصلح من نصف قرن أويزيد!. ولذلك، فالاختلاف جذرى فى هذه الزاوية مع المسلمانى ومع الرؤية التى يتبناها.. وإلا.. فماذا.. لو اخترنا أكبر عالم فى مصر، ووضعناه على قمة وزارة التعليم، بعد ساعة من الآن.. هل يظن أحد، وقتها، أنه سوف يكون عندنا تعليم؟ الإجابة من جانبى بالنفى المؤكد، لا لشىء، إلا لأن أمر التعليم لم يكن فى أى وقت، أمر وزير فوق وزارة يرحل أو يجىء، وإنما كان مرتبطاً فى كل الدول التى أحرزت فيه تقدماً، بدولة لديها إدارة حازمة، فى هذا الاتجاه، وعندها رؤية واضحة مقترنة بالإرادة. وما سوى ذلك كله عبث فى عبث!. التعليم يا أستاذ مسلمانى، لا يرتبط بوجود الجمل، ولا الحمل، فى الوزارة، ولكنه يرتبط أصلاً بأن نحدد جميعاً ماذا نريد من ورائه، كهدف نهائى، وماذا لدينا من إمكانات نحشدها لتحقيق هذا الهدف، بحيث نقفز وقتها، فوق الأشخاص وزراء وغير وزراء، وفوق القانون، وفوق الدستور نفسه لنصل إلى غاية المدى الزمنى الذى لابد أن يقترن بالضرورة، بمثل هذا الهدف، سواء كان المدى الزمنى بعد عام.. أو عامين، أو عشرة!. فى آخر إحصاء لأفضل مائة جامعة فى آسيا، توجد 22 جامعة تركية، فى القائمة، ومع ذلك فلا أحد يعرف اسم وزير التعليم التركى، الذى حقق هذا الهدف، ولا نظن أنه معروف داخل البلاد، ولكننا نعرف أن هناك دولة اسمها تركيا، تريد أن يكون لها مواطئ قدم فى العالم المتقدم، وتقاتل من أجل أن تكون عضواً فى الاتحاد الأوروبى، وتدرك أن مثل هذه الأهداف وغيرها متصلة اتصالاً عضوياً ووثيقاً بمدى وجود تعليم حقيقى فى البلد من عدمه!.. فالتعليم هناك، وفى كل دولة مماثلة، وراءه دولة، ووراءه سياسة ووراءه استراتيجية طويلة المدى، سواء كان الوزير هو فلان أو علان، ووراءه وعى مطلق بالتعليم كقيمة وهدف لا يقبل النقاش حول جدواه!.. فأين موقعنا من قائمة كهذه، لو كان لها يوماً أن تكون موجودة، على مستوى أفريقيا مثلاً التى نحن إحدى دولها؟!. سوف يكون لنا فيها موقع متقدم، حين نؤمن، بأن التعليم ليس مجرد مشكلة علينا أن نواجهها، وإنما هو «حل» لجميع مشاكلنا بلا استثناء!.