أكثر الشعوب تديناً

إنها المرارة نفسها وأكثر، التى شعرت بها من قبل عند قراءتى خبر القبض على رجل وزوجته المحجبة ضمن شبكة لتبادل الزوجات! المرارة أكثر لأن الشبكة هذه المرة للاعتداء الجنسى على الأطفال.
رجل خسيس، من العيب أن نطلق عليه كلمة رجل، يصطاد الأطفال من الشوارع بعد أن قست عليهم القلوب، وغابت عنهم الحكومة، ولم يجد معهم المجلس القومى للطفولة ولا غيره من المجالس التى تنفق الملايين، ولم تنقذهم مباحث الأحداث ولا ضمائر البشر، ويقدمهم وليمة للأثرياء الشواذ!
رجل يقدم زوجته طائعاً مختاراً لرجل آخر قبل أن يبادله زوجته من أجل المتعة الحرام.. وأثرياء أم فقراء - لم يعد هناك فرق فى الأخلاق، كله انحطاط - يمارسون الشذوذ مع أطفال أبرياء، يدفعهم الخوف والفقر والغربة للاستسلام.
نقرأ تلك الأخبار بعيون باردة وتقبلها مشاعر باردة، كل شىء فى المجتمع أصبح جائزاً. الشذوذ نراه فى السينما كما نراه فى الحياة.. السينما تعبر عن الواقع، لابد من التفاصيل. رجل مع رجل - يا خسارة الرجالة - وامرأة مع امرأة - يبدو أن الرجال ماتوا فى الحرب فانقرضوا - كلها ضرورات فنية، ترسخ فى الوجدان معنى الانحطاط وقبوله على أنه أمر واقع، فنعتاد عليه لتموت النخوة فى نفوسنا، ويصبح كل شىء حولنا عادياً.
«نحن أكثر الشعوب تديناً فى العالم».. هكذا أكد استطلاع معهد «جالوب» فى آخر استطلاع له، فالاستطلاع يعنى كلاماً، ونحن أساتذة الكلام والكذب، يبدو تديننا واضحاً للعين، انظروا الحجاب فى الشوارع، اسمعونا ونحن نتحدث، كل جملة مسبوقة أو ملحوقة ب«بإذن الله»، «إن شاء الله»، «الحمد لله». أما واقعنا فنحن أقل الشعوب عملاً، تنتشر بيننا الرشوة والمحسوبية والنفاق والفساد وأخيراً الشذوذ، ويا ترى ما هو الأسوأ القادم؟!
خبر وسيمر مثل غيره، سننام ونصحو على خبر أكثر فداحة وألماً ولن نفعل شيئاً، سنتفرغ لصراعات الحيتان، للصوص الكبار، وجرائم القتل المجانى من أجل كسرة خبز أو حبة مخدر أو قطعة حشيش وربما نصل إلى القتل من أجل القتل، فقد سئمنا الملل وتكرار الجرائم والفضائح.
المجتمعات تموت مثل البشر، عندما يتلوث هواؤها، يعلو فاسدوها، يكفر فقراؤها بما آمنوا، ويغرق مترفوها فى ملذاتهم، فتخرج عليهم الاستطلاعات لتطمئنهم حتى يستمروا فى انهيارهم.. «أنتم أكثر الشعوب تديناً».
ليتنا نفهم ونعلن أننا من أكثر الشعوب بعداً عن التدين، فالدين بيننا وفينا غريب، وإن لم نهب ونغضب سنصحو يوماً لنقرأ فى صحفنا أن رجلاً يتزوج ابنته بعد حملها منه، وأماً تضاجع ابنها.. أعلم أنه يحدث الآن، ولكن المصيبة أننا سنجده قريباً على صفحات الجرائد وفى أفلام السينما، وسنردد وقتها: عادى.. المهم أن نظل «أكثر الشعوب تديناً فى العالم».
khramadan@hotmail.com