وزير الأوقاف السابق: ضبط الكلمة وإعمال العقل ضرورة في الخطاب الديني    إحباط زواج طفلة تبلغ من العمر 14 عاما بمحافظة قنا    التموين: رفع المخزون الاستراتيجي للسكر التمويني ل 12 شهرًا    السكر والدقيق والشاي، ارتفاع أسعار السلع الغذائية في الأسواق    5 ملايين جنيه.. قيمة خطاب ضمان تنظيم العمرة لموسم 2026    البترول تعلن نجاح أعمال الحفر ببئر "ظهر 6" لإضافة 60 مليون قدم مكعب يوميًا    عماد الدين حسين: إسرائيل تمنع المساعدات عن قطاع غزة وتحولها لمصائد موت    بوتين: العلاقات بين موسكو وواشنطن بدأت تتحسن    ترامب يرفض دعوة حضور حفل زفاف جيف بيزوس.. "وول ستريت" تكشف السبب    أولمبيك ليون يحصل على موافقة يويفا للمشاركة في الدوري الأوروبي    الزمالك يعلن عن المدير الفنى الجديد منتصف الأسبوع المقبل    رئيس لانس ينفي تقديم عرض لضم سعود عبد الحميد    رئيس إنبي ليلا كورة: أوفا ودويدار ينتقلان إلى البنك الأهلي    خبر في الجول - تفاصيل انتقال العش إلى الأهلي.. القيمة المالية وإعارة أحمد رضا إلى زد    القبض على السائق المتسبب فى مصرع 19 شخصا وإصابة 2 آخرين بالطريق الإقليمى بالمنوفية    إصابة 10 عمال في انقلاب سيارة على الطريق الصحراوي بالمنيا    محافظ البحر الأحمر يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 73.1 %    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث انقلاب سيارة بالوادي الجديد    فيديو يقود مباحث دار السلام لضبط "ديلر الاستروكس"    مجلس الوزراء: الجامعات الحكومية مملوكة للدولة ولا نية لخصخصتها    مواهب باليه الأوبرا تجسد قصة جيزيل على المسرح الكبير    هشام جمال يحتفل بعيد ميلاد ملك أحمد زاهر    حنان مطاوع: بعد مشهد النيل في "هابي بيرث داي" بعتولي حبوب بلهارسيا للوقاية    السر فى الذكاء الاصطناعى.. عادل إمام يعود للأضواء بعد غياب سنوات ما القصة؟    الرعاية الصحية: انتهاء قوائم انتظار جلسات الغسيل الكلوي في بورسعيد (صور)    ننشر مذكرة تحقيقات "صحة الغربية" بواقعة تبديل جثتين بمستشفى زفتى العام    محافظ كفرالشيخ: انطلاق قافلة دعوية كبرى من مسجد الضبعة بالرياض    في أول جمعة من العام الهجري الجديد.. افتتاح مسجد "آل يعقوب" بقرية سفلاق بسوهاج    مصرع شابين وإصابة آخر في حادث مروري بقنا    بحضور النقيب.. افتتاح مصيف المهندسين بالمعمورة بعد تطويره في الإسكندرية    قبل أن يتم عامه ال25.. هالاند يدخل نادي ال300 هدف    مقتل العالم النووي الإيراني سليمان سليماني جراء الهجمات الإسرائيلية    ثنائي الأهلي يزين التشكيل الأفريقى المثالى لمرحلة المجموعات فى مونديال الأندية    الإثنين المقبل.. انطلاق فعاليات معرض الفيوم للكتاب    حكم وفضل صيامه.. متى أول عاشوراء 2025؟    خطيب المسجد النبوي: صوم التطوع في شهر المحرم أفضل الصيام بعد رمضان    الصديقة ب35 والتيمور ب40 جنيهاً.. جولة داخل سوق الجملة بأكتوبر.. فيديو    الإثنين المقبل.. المحطة الأخيرة لقانون الإيجار القديم قبل إقراره تحت قبة البرلمان    قافلة طبية مجانية لجمعية رعاية مرضى الكبد عضو التحالف الوطنى فى الدواخلية بالغربية لخدمة أهالي القرية    نجاح أول عملية تكميم معدة لطفلة بالمنظار بمستشفى جامعة أسيوط    أسماء أبو اليزيد بعد مسلسل فات الميعاد: لو رأيت رجلا يعتدي على زوجته سأتمنى أن أضربه    حصيلة الانزلاق الأرضي في كولومبيا ترتفع إلى 16 قتيلا    مستوطنون يعتدون على منازل جنوب الخليل.. وإصابة فلسطينية في مسافر يطا    محافظ الجيزة يعتمد المخططات التفصيلية لأحياء الدقى والعمرانية وبولاق الدكرور    السيطرة على حريق نشب فى ثلاثة سيارات ملاكى بحى شرق أسيوط    طب عين شمس: توزيع المهام.. وإدارة غرف العمليات باتت جزءًا من تقييم الأطباء    خطيب الأقصى: ظهور نتنياهو في أنفاق المسجد تحد لإثبات السيادة ولن يكسبوا ذرة تراب منه    سعر الحديد اليوم الجمعة 27 يونيو 2025    كريم محمود عبدالعزيز يتصدر تريند جوجل بسبب مملكة الحرير    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    حريق ضخم في منطقة استوديو أذربيجان فيلم السينمائي في باكو    يكسر رقم أبو تريكة.. سالم الدوسري هداف العرب في تاريخ كأس العالم للأندية (فيديو)    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    الإيجار القديم والتصرف في أملاك الدولة، جدول أعمال مجلس النواب الأسبوع المقبل    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    حجاج عبد العظيم وضياء عبد الخالق في عزاء والد تامر عبد المنعم.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية أدبية يكتبها: أسامة غريب.. همّام وإيزابيلا (20) بين قصر الكوارشى وسجن الأدغم

بقدر ما شعر الكوارشى الكبير بالسعادة بعد هروب المطجن البصاص، لدرجة أنه صار ينثر الأموال فى الطرقات على السابلة، لعلمه أن غيابه يفتح الباب لبراءة ولده همام من تهمة المشاركة فى قتل المغنية إيزابيلا، بقدر ما تحطمت سعادته القصيرة بعد أن قام المجرم الأثيم باختطاف ابنته والفرار بها إلى حيث لا يعلم أحد. أرسل الكوارشى مراسيل كثرًا إلى السلطان البيكيكى يرجوه العمل على استعادة هيبة السلطنة، والقبض على البصاص لتعود اليه ابنته وقرة عينه.
ومن ناحية أخرى شملت جهوده استدعاء السحلاوى قاطع الطريق إلى القصر، وبصحبته الشيخ عجينة الذى لم يكن يترك مصيبة تحل بالبلاد وبالعباد دون أن يفيد منها ويحقق من ورائها نفعاً! ويروى السحلاوى عن هذه الزيارة أن الكوارشى كان منهاراً تماماً لأن المصائب قد تتالت عليه وهو على فراش المرض، وبدا أن الحياة التى ابتسمت له طويلاً قد أولته ظهرها، ففجع فى آخر عمره بجريمة ابنه الوحيد الذى كان يعده سنده وذخره وحامل راية التجارة من بعده، ثم تأتى الطامة الكبرى وتختفى البندرية ويطول غيابها.
فى هذا اللقاء كان الرجل الكبير مكسوراً من شدة الحزن، وقد قام على غير المعهود منه بالتوسل إلى السحلاوى واستعطافه لدرجة وضع ثروته كلها تحت تصرف قاطع الطريق. قال الكوارشى: سأمنحك كل ما أملك من أراض وجواهر وأموال ومدائن عامرة. فقط أريد رأس المطجن البصاص، وأريد ابنتى سالمة.
والحقيقة أن السحلاوى قد أظهر التأثر لنكبة الرجل الذى يشبه مصيره مصير الأندلس ذاتها ، تلك التى تضعضعت أركانها وتكاثرت عليها النوائب من كل جانب بعد أن كانت منارة للبشرية. فى هذه الجلسة لم ينس الشيخ عجينة أن يطلب الغذاء والتحلية وشراب الينسون، ولا أن يطلب عند الرحيل صندوقاً من الجواهر لزوم المصروفات النثرية!
وهو الأمر الذى أثار حفيظة السحلاوى الذى كان رغم إجرامه التاريخى يملك شيئاً من الحس الإنسانى وبعض القدرة على إخفاء مطامعه، على العكس من الشيخ الخليع الذى كان فاجراً فى التعبير عن أطماعه، والذى لم تشغله أبداً سوى ملذاته وشهواته.
وفى جلستهما وحدهما بعد أن غادرا قصر الكوارشى ووصلا إلى قصر الشيخ عجينة الواطى، وجلسا يحتسيان الشراب بينما الراقصات يتحلقن حولهما، والغلمان يشغلون ردهة القصر، أعاد السحلاوى على مسامع الرجل امتعاضه من النذالة المكشوفة التى أبداها، فى الوقت الذى كان يتعين عليه أن يخفف من لوعة الرجل المكلوم، خاصة أن أيادى الكوارشى البيضاء تبصم على حوائط القصر الذى بناه له لقاء خدمات سابقة.
قال عجينة:ألا تعلم يا رقيق الفؤاد أن القدر الأكبر من أموال الكوارشى قد جمعها من خلال التصاقه بالسلطان البيكيكى ونالها دون جهد حقيقى، وما هى فى حقيقتها إلا نفحات آثمة ممن لا يملك إلى من لا يستحق؟ فلماذا بحق الشيطان لا نأخذ نصيبنا منها؟
ثم إن الكوارشى قد أخذ بكل درهم دفعه لى طوال السنوات السابقة فتاوى من النوع الفاخر سهلت له أعماله ونصرته على منافسيه، وأنا لست مديناً له، ثم إن رجلاً مثلك يا سحلاوى ورجلاً مثلى لا يؤمنان بالله أو بالآخرة والبعث إلى آخر هذا الكلام العجيب.. جنّتهما الوحيدة هى على الأرض وفى هذه الحياة، فلماذا نرق للكوارشى أو لغير الكوارشى؟
وأضاف : لقد فهمت من كلامك العطوف أنك لا تريد نصيبك فى صندوق الجواهر..إذن سآخذه كله، وخذ أنت الثواب!. قال السحلاوى فى هلع: يا لك من ملعون.. ألا يستطيع المرء أن يمازحك أبدأ، إنى أريد نصيبى طبعاً وإلا قطعت رقبتك. قال عجينة ضاحكاً:كنت أعلم أنك لن تقطع شوطاً كبيراً على طريق الشرف، وأن همتك ستقصر بك عن بلوغ آخره.. أنا الآن مطمئن عليك. قاطعه السحلاوى: آه لو علم الناس أن شيخ الجامع الكبير لا يؤمن بالله، إذن لقطعوا لحمك وأطعموه للكلاب.
قال عجينة: هلا خرست قليلاً حتى ننظر فى خطة للعمل.. اسمع يا سحلاوى..من الغد أنت تطلق رجالك يفعلون ما عجزت عنه جندرمة البيكيكى، تلك التى أصاب رجالها الوهن، بعضهم من فرط التخمة والمال السائب، وبعضهم من العمل المضنى والجوع الكافر، عليك أن تجعلهم يمسحون التلال المحيطة بالمدينة، ويجوبون القفار على الجهة الأخرى من النهر، حتى كهف العفريت اجعلهم يذهبوا إليه ويدخلوه بحثاً عن الوغد، واطلب منهم ألا يعودوا إلا بصحبة رأس المطجن البصاص، أما أنا فسوف أعلن غداً من فوق المنبر عن مكافأة ضخمة يرصدها الكوارشى لمن يأتيه بالمطجن حياً أو ميتاً، أو لمن يساعد فى عودة البندرية.
كان همام الكوارشى فى تلك الأيام العصيبة قد استسلم لليأس من طول مكوثه بالسجن، وكذلك من افتقاده البندرية التى كانت تزوره كل صباح تحمل إليه الطعام والأخبار، فصار يأكل كثيراً، وأصبح يلتهم معظم ما يحويه السماط اليومى الذى يُمد داخل غرفته الفاخرة آتياً من قصر أبيه.
وأغرق نفسه بالملذات فقام باستدعاء تشكيلة من جواريه الروميات ليدخلن على نفسه السرور، وكلف حراس السجن بأن يحضروا له الخلطات القوية التى يقوم بتخليقها «أبو حصيرة» العطار اليهودى، فصاروا يجلبون إليه يومياً قدراً من القلقشند وبعض الحبشتآن المطحون فضلاً عن النخشبرت الجبلى، فكان يسفّ منه حتى يغيب عن الوعى فيحملوه إلى فراشه ويتركوه حتى الصباح.
وفى نفس سجن الأدغم الذى حظى فيه همام الكوارشى بإقامة ملوكى، كان يقبع فى زنزانة رطبة شديدة القذارة الحسين الذى زامل المطجن وشاركه الغرفة قبل أن يخرج ذات ليلة مع رجال شمروخ ولا يعود مرة أخرى.
كان الحسين من خلال الشق الذى أحدثوه بالجدار يلتقى كل يوم بالشيخ شهاب ويواصلان الحفر دون كلل، يحدوهما الرجاء أن يتمكنا ذات يوم من أن يبصرا نور الشمس.
وقد خففت الصحبة عليهما وعثاء الأيام العسيرة، ووجد كل منهما فى صاحبه أنيساً يركن إليه، وكان الشيخ شهاب قد فقد ولده الوحيد فى معركة العقاب فاعتبر الحسين ابناً له، وقد عقد كلاهما العزم إذا ما كتبت لهما النجاة واستطاعا الفرار من سجن الأدغم أن يعبرا البحر إلى مراكش ومنها إلى مصر بعيداً عن السلطان البيكيكى ورجاله المجرمين، وبعيداً عن بقية ولاة الأندلس الذين فقدوا النخوة وعملوا فى خدمة الأعداء.
وكان الشيخ شهاب يحسن الظن بالمماليك الذين استولوا على حكم مصر وكانوا رغم جورهم محاربين أشداء أصحاب حمية وغيرة على الديار، فقاموا للصليبيين يصدون غاراتهم ويردون حملاتهم المحمومة التى لا تنقطع، وكان يأمل فى أن يطلعهم على حقيقة الأمر فى الأندلس ويطلب منهم العون فى إنقاذ دولة المسلمين فى أوروبا، بعد أن مُنيت بالفشل الجهود التى بذلها بنو حفص الذين حكموا أفريقيا (تونس) فى إنجاد الأندلس، فضلاً عن إخفاق الموحدين فى مراكش فى عمل أى شىء بعد أن صار الجنود القشتاليون أقرب إليهم من إخوانهم وبنى جلدتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.