بعد ساعات من صدور قرار المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، بإحالة 11 متهماً فى قضية الاتجار فى الأطفال إلى محكمة الجنايات، إثر انفراد «المصرى اليوم» بالكشف عن تفاصيلها، اعتبر خبراء فى مجال حقوق الطفل، ومهتمون بقضايا إثبات النسب، أن قانون الطفل الجديد 126 لسنة 2008، لن يساهم بمفرده فى الحد من ظاهرة الاتجار فى الأطفال، على الرغم من احتوائه على مواد «رادعة» على حد وصفهم، مطالبين بسرعة استصدار لائحته التنفيذية، والتى تتضمن آليات أكثر فعالية لمواجهة الظاهرة، ودعوا إلى ضرورة خضوع الأطفال حديثى الولادة إلى اختبار البصمة الوراثية D.N.A كإجراء «استباقى» لمواجهة ظاهرة الاتجار فى الأطفال. قال ممدوح الوسيمى، المحامى: «إن القانون وحده لا يكفى لمواجهة الظواهر المختلفة، ومن بينها ظاهرة الاتجار فى الأطفال، و على سبيل المثال، فإن عقوبة الإعدام لم تؤد إلى وقف جلب وتجارة المخدرات، مع التأكيد على أن العقوبات الرادعة فى القوانين تخفف من آثار الجريمة، وبالتالى يجب هنا البحث فى أصل الظاهرة، والمتمثل فى زيادة أطفال الشوارع، وزيادة الإنجاب لدى أسر فقيرة جداً، مع وجود أفراد فى بلاد أخرى على استعداد لشراء أبنائهم، وكلها أمور ترجع إلى الظروف الاقتصادية السيئة فى البلاد». وأضاف: «شهدت ظاهرة الاتجار بالأطفال، تطوراً خلال الفترة الأخيرة، فلم يعد الأمر خطف طفل بالإكراه أو التحايل تمهيداً لبيع أو استغلال، ولكننا الآن أمام أفراد يأخذون الأطفال من الملاجئ أو أطفالاً هاربين، أو بلا أب وأم، وكذلك أطفال الأسر الفقيرة الراغبة فى بيع أبنائها، وبالتالى فإن أحد مميزات القانون 126 لسنة 2008، أنه تجاوز النص حول العقوبات المقررة بالنسبة لخطف الأطفال، إلى تجريم استغلال أطفال الشوارع، وأبناء الأسر الفقيرة». ويرى الوسيمى أن غياب الرقابة على دور الأيتام وعرض أطفال السفاح للبيع، مع وجود حلقات اتصال مع راغبى التبنى فى الخارج، كلها عوامل تساعد بشكل مباشر على تنامى ظاهرة الاتجار فى الأطفال، ويكفى أن حصول شخص ما على شهادة من مستشفى بأن الطفل ولد بها، يكفى لاستخراج شهادة ميلاد من مكتب الصحة، ويمهد لإضافة الطفل على جواز السفر مما يسهل سفره للخارج. وانتقد الوسيمى بعض الأصوات المنادية بإباحة التبنى فى مصر، قائلاً: «التبنى ممنوع نهائياً بنصوص الشريعة الإسلامية، وسيصطدم مؤيدو هذا الاتجاه بالمادة الثانية من الدستور، والتى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وبالتالى فأى نص يخالف الشريعة الإسلامية يعد مخالفاً للدستور، إضافة إلى أن مسألة التبنى تؤدى إلى اختلاط الأنساب». ودعا الوسيمى إلى تغليظ العقوبات على الأطباء ومكاتب الصحة، التى يثبت تورطها فى عمليات الاتجار بالأطفال، لتصل إلى الشطب من سجلات نقابة الأطباء، وقال: «أقترح أخذ عينة دم من الأب والأم والطفل، لإثبات البنوة قبل استخراج شهادة الميلاد، أما بالنسبة للأجانب، فأقترح إجراء تحليل البصمة الوراثية D.N.A لهم. واعتبر أحمد عبدالعليم، المدير التنفيذى لجمعية تعاون الأطفال، أن استناد قرار النائب العام على أحكام القانون 126 لسنة 2008، يعد «خطوة إيجابية» - على حد وصفه، وقال: «خلال سعينا لتعديل قانون الطفل 12 لسنة 1996، كان لدينا تخوف من عدم تفعيل القانون كغيره من القوانين الموضوعة، ولكن تفعيل القانون 126 يعد خطوة إيجابية، خاصة أنها السابقة الأولى التى يستند فيها النائب العام إلى أحكام هذا القانون». ووصف عبدالعليم واقعة بيع «أطفال سفاح» بأنها «مفاجأة كبيرة»، وقال: «فى فترة من الفترات كان المجتمع الدولى يتحدث عن أن مصر دولة (ترانزيت) للاتجار فى الأطفال ما بين دول شرق آسيا وأمريكا وأوروبا، إلا أن ظهور وقائع بيع أطفال مصريين يعتبر مفاجأة كبيرة، خاصة أن الدولة لم تأخذ فى الاعتبار أننا سيأتى علينا الدور ونتحول من دولة عبور إلى دولة متضررة». وعلى الرغم من أن اللائحة التنفيذية للقانون 126 لسنة 2008 لم يتم الانتهاء منها إلى الآن، فإن عبدالعليم أكد عكوف منظمات المجتمع المدنى المهتمة بحقوق الطفل، وجهات حكومية على رأسها المجلس القومى للأمومة والطفولة، على اتخاذ خطوات جادة فى سبل الانتهاء من صياغة اللائحة التنفيذية تمهيداً لعرضها، وأنها ستتضمن تفسيرات للقانون، وستراعى مسألة الاتجار فى البشر. ومن جانبه، قال هانى هلال، رئيس المركز المصرى لحقوق الطفل، إن القانون 126 لسنة 2008 هو أول قانون مصرى يحتوى على مادة لمكافحة الاتجار فى البشر، وتوقع هلال أن يحفز تطبيق المادة الخاصة بالاتجار فى الأطفال على وضع قانون مصرى لمكافحة الاتجار فى البشر. واعتبر هلال أن العقوبات المقررة فى القانون «رادعة»، وتعد أغلظ عقوبات مقررة فى التشريع المصرى، لأنها تنص على الغرامة بحد أدنى 50 ألف جنيه وبحد أقصى 200 ألف جنيه، والحبس مدة لا تقل عن 5 سنوات. وأضاف هلال: «حالة الأطفال المولودين سفاحاً كانت تحدث سابقاً دون أن ندرى أو نسمع عنها، وكان لا يسمح باستخراج شهادات الميلاد لهم، ولكن اللائحة التنفيذية للقانون، والتى سنتقدم بها خلال أيام، تتضمن استصدار شهادات ميلاد للأطفال المولودين خارج إطار الزوجية، ويذكر فيها اسم الأم». وتوقع هلال أن تساهم اللائحة التنفيذية للقانون فى الحد من ظاهرة الاتجار فى الأطفال بعد إقرارها، خاصة أنها تتضمن مادة عن الإبلاغ فى حالة وصول معلومات لأى فرد عن حدوث واقعة سفاح أو إجهاض أو اتجار، وهو ما يحتاج تغيير فكر المجتمع، والذى ينظر للمبلغ على أنه «مرشد». ويرى هلال أن اللجان الفرعية لحماية الطفولة، ستساهم فى مواجهة ظاهرة الاتجار فى الأطفال، وهى لجان تشكل على مستوى وحدات الحكم المحلى الصغيرة، كالأقسام والمراكز، وتضطلع برصد ومتابعة حالات تعرض الطفل للخطر والتدخل الوقائى والعلاجى لها، ويقوم على تشكيلها اللجنة العامة بالمحافظة وتشرف عليها ويشارك فى عضويتها ممثل للمجتمع المدنى المعنى بالطفولة كلما تيسر ذلك، وقال إنها ستراقب الجمعيات الأهلية ودور الأيتام لضمان عدم حدوث حالات اتجار فى الأطفال. ولمواجهة الاتجار فى الأطفال وتهريبهم إلى الخارج، اقترح هلال إخضاع المولودين لاختبار البصمة الوراثية D.N.A بمجرد ولادتهم، لتثبت نسبهم من البداية، مع إلزام القادرين على الخضوع لهذه الفحوصات، أما غير القادرين فتحددهم اللجان الفرعية وتدفع عنهم الدولة.