فى الغرفة رقم «421» بمعهد ناصر ربما تكون نار ألم الجرح أقل بكثير من نار فراق الأبناء والخوف عليهم تحت ضرب الصواريخ.. داخل تلك الغرفة ترقد «أم».. خرجت من غرفة العمليات منذ ساعات فقط.. بتر الأطباء ساقيها.. وكتب الله عليها أن تكمل حياتها دون أطرافها السفلى.. ربما يكون ما سبق ليس سبباً فى صراخها ودموعها التى لم تتوقف للحظة واحدة ولكن الأقوى والأشد حزناً ما قالته تلك السيدة فى السطور التالية: مثل المئات من ربات المنازل.. كانت تجلس مع أطفالها داخل منزلها.. الأطفال يلهون فى غرفهم.. وتعد هى الطعام لهم داخل غرفة المطبخ.. والأب فى عمله منذ السابعة صباحاً.. ضربة قوية سقطت فوق سطح المنزل هكذا وصفت السيدة ما حدث بعدها انهار المنزل، وجدت نفسى على الأرض وقدمى لا أشعر بها.. عمود خرسانى غطى نصف جسدى السفلى. وشاهدت أطفالى الثلاثة الصغار «محمد وياسمين وندى» يصرخون على بعد أمتار منى.. أصيبوا بجروح لا أعرف عنها شيئاً.. الدماء كانت تنزف منهم.. الابنة الصغرى كانت تشير إلى بيدها.. وكأنها تستنجد بى.. ولكنى عجزت عن نجدتها.. أغلق هذا المشهد بالنسبة لى عينى دون إرادتي.. فقدت الوعي..لأجد نفسى بعدها داخل غرفة العناية المركزة بمعهد ناصر بالقاهرة.. سألت «أين أنا؟» فردت على الممرضة «أنت فى القاهرة وإن شاء الله هتكونى بخير».. سألت عن أطفالي.. فردوا «بخير».. قلت «قدماى.. لا أشعر بهما» فصمتت الممرضة.. وسقطت دموعها.. وقتها عرفت أننى لن أراهما مرة ثانية.. حاولت أن أضحك على نفسى، وأنظر إلى نصفى السفلى لعلى أجد قدمي، ولكن لم أستطع أن أرفع رأسى غير قليل ولم أشاهد شيئاً انزلت رأسى مرة ثانية مرددة فى داخلى «مش مهم أنا.. المهم أولادى عاملين إيه» ومن الذى جاء معى إلى القاهرة، ردت الممرضة «أختك عايدة.. موجودة خارج الغرفة وأولادك بخير». أجرى الأطباء الجراحة للسيدة وبتروا ساقيها.. وأعادوها إلى غرفتها مرة ثانية.. بداخلها دار الحوار بين المصابة وشقيقتها.. المصابة تبكى على أولادها وزوجها.. لا تعرف عنهم شيئًا.. بعدما تركتهم ينزفون الدماء وسط الشارع.. وكثيراً ما طمأنتها الأخت على الأطفال إلا أن قلبها يقول لها «إن مكروهاً حدث للأطفال.. وليس معنى المكروه عندهم هو الإصابة، ولكنه الوفاة، فالإصابة بين أناس يشاهدون تلك المناظر كل يوم تكون شيئاً بسيطاً على حد تعبيرهم. تصمت المصابة قليلاً وتعاود الكلام مرة ثانية وثالثة سألت فى إحدى المرات عن أخيها الأكبر.. لماذا لم يأت ليرافقها إلى القاهرة.. أو يتصل للاطمئنان عليها على الأقل.. حاولت الأخت أن تلتمس له الأعذار قائلة: يمكن يكون حدث شيء هناك له أو لأحد من أفراد الأسرة، فترد المصابة «هو أخى الأكبر.. الوحيد لى فى الدنيا دي.. كيف يتركنى هكذا؟ لم تتحمل الأخت كلمات شقيقتها.. خرجت من الغرفة معللة ذهابها إلى الطبيب خرجنا خلفها بعد دقائق، وجدناها تجلس على الأرض إلى جوار الغرفة. سألتها عن سبب بكائها، فكانت المفاجأة التى لا تعرفها الأخت المصابة.. «أخوها الذى تتهمه المصابة بأنه يتركها دون سؤال.. استشهد أمس الأول ومعه طفلة المصابة الصغرى، سقط فوقهما صاروخ حول جسديهما إلى أشلاء.. ولكن لا أريد أن أخبرها حتى لا يسوء حالها».