«محمد زكى جبر».. واحد من الآلاف الذين شردتهم الغارات الإسرائيلية فى غزة.. تطارده الصواريخ والثانوية العامة، وصل إلى عامه ال «21» ومازال طالباً.. ليس لأنه فاشل أو يرسب كل عام.. ولكن لأن إصابات الغارات أسقطته أكثر من مرة. لم يعرف «محمد» يوماً أن الثانوية العامة طريقها طويل لمثل تلك الدرجة، قبل 4 أعوام كان واحداً من بين المئات داخل المدرسة، يتلقى تعليمه ويتمنى أن يكون فى مستقبله طوقا لنجاة أهله وأفراد أسرته. سقط صاروخ على المدرسة خلَّف شهداء ومصابين.. «محمد» كان واحداً من الذين ساعدتهم الظروف وتم نقله للعلاج بمستشفى معهد ناصر فى القاهرة، أكمل علاجه وعاد بعاهة مستديمة فى الوجه بعد عامين. لم يمر أكثر من 5 أشهر وكان «محمد» على موعد مع صاروخ آخر سقط بالقرب من الشارع الذى كان يسير فيه، فاستشهد شقيقه وابن عمه.. وللمرة الثانية تقف الظروف إلى جواره هو فأصيب بكسور وجروح خطيرة، نقلته سيارة إسعاف إلى معهد ناصر بالقاهرة، ليتلقى العلاج. أياماً قضاها فى القاهرة ثم عاد إلى مسقط رأسه فى غزة، وقتها ودع فريق التمريض والطبيب المعالج له، وقبل أن يرحل قال لهم مازحاً «أراكم بعد صاروخ جديد!»، ضحك فريق التمريض، وتحولت العلاقة بينهم إلى صداقة واتصالات تليفونية. يوم الاثنين قبل الماضي، كان اللقاء الثالث ل «محمد» وفريق التمريض الذى تبقى منه 3 فقط فى نفس المستشفي، بمجرد أن شاهدوه ينزف الدماء أسرعوا إليه ودموعهم تسبقهم، حالته كانت سيئة ولكنه عندما شاهدهم، نطق بكلمة واحدة «مش قلت لكم هاشوفكم تانى». أجرى الأطباء جراحة عاجلة له، ولكن فى تلك المرة خرج من غرفة العمليات دون ساقه اليمني، ظل فى حالة إعياء شديدة فاقدا الوعى لمدة يومين لا حديث بين الممرضات والأطباء إلا عن قصة هذا الشاب الذى تحولت حياته إلى إصابات. وفى الغرفة رقم «408» بمعهد ناصر، رقد «محمد» على السرير، إلى جواره جده الذى رافقه فى رحلة علاجه فى مصر، جلسنا معه وسألناه عن قصة الثانوية العامة، فرد بضحكة، لا نعرف إن كانت «ضحكة تحمل حزناً» أم «ضحكة على حاله السيئ»، وقال: «لا أعرف إن كان العيب فى الثانوية العامة.. أم فى شخصى أنا.. 7 سنوات فى الثانوية العامة ولم أحصل عليها بعد». وعن قصة إصابته الثالثة يوم الأحد الماضي، قال: «كنت أجلس داخل الفصل مع باقى زملائى فى المدرسة، وبمجرد أن بدأ القصف طلب المدرسون منا أن نغادر المدرسة بسرعة، تسابقنا فى النزول على السلالم، فتحوا لنا الأبواب وخرجنا نجرى فى الشوارع، الصواريخ كانت تسقط فى كل مكان فيلم رعب تقريباً بعدها لم أشعر بما حدث، سقطت على الأرض وجدت ساقى اليمنى تبعد عنى «3» أمتار تقريباً بعدها فقدت الوعى ولا أعرف كيف حضرت إلى القاهرة». ويضيف محمد: أبى لم يحضر معى لإصابته فى غزة ولا أعرف كيف حال إخوتى ال «10» هناك هل سقط عليهم صاروخ حول منزلهم إلى كتلة من الأنقاض، نحاول الاتصال بهم، ولكن دون فائدة. قبل أن نترك «محمد» لننتقل إلى مصاب آخر يرقد فى السرير المجاور له، سألناه عن رغبته فى البقاء فى مصر أو العودة إلى غزة.. فرد دون تفكير «هرجع وهكمل الثانوية العامة» وسوف أقف أمام الأعداء.. حتى ولو كان الثمن حياتي.. أنا لست أقل من ابن عمى وأخى والجيران الذين استشهدوا دفاعاً عن أرضنا وأهلنا».. الدكتور بهاء أبوزيد عميد المعهد كان موجوداً بالمصادفة فى الغرفة، فرد عليه «لن نتركك تعود إلا وأنت واقف على قدميك سنقدم لك أطرافاً صناعية لتستطيع بها أن تكمل الحياة».