المسيرى.. رحل رافعاً البشارة للفلسطينيين: نهاية إسرائيل قريبة

«هل تموت الفروسية بموت الفارس؟.. هل تموت البطولة باستشهاد البطل؟.. وهل يختفى الصمود إن رحل بعض الصامدين؟!».. مجموعة من الأسئلة جالت بخاطر المفكر الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيرى، بعد يوم قضاه فى الأردن، حضر خلاله مناسبتين، الأولى تقديم العزاء لأهل شهيد فلسطينى، التقى فيها شيخاً ينتمى للرعيل الأول من كتائب عزالدين القسام التى قادت العمليات الأولى دفاعاً عن فلسطين من هجمات «العصابات الصهيونية».
ودار بين المسيرى والعجوز هذا الحوار الذى بدأه الأخير بقوله: «كنا نعلم تمام العلم أن أسلحتنا العثمانية عتيقة، وأننا كلما اشتبكنا مع الصهاينة والإنجليز فإنهم يحصدوننا حصداً برصاصهم،
كما فعلوا مع ابننا الشهيد، ومع هذا كنا ننزل كل ليلة من قرانا كى ننازلهم»، فسأله المسيرى: «لم؟»، صمت العجوز قليلاً، ثم قال: «حتى لا ننسى الأرض والبلاد.. حتى لا ينسى أحد الوطن».
أما المناسبة الأخرى فكانت زيارة صديقه المريض أبا السعيد خالد الحسن، القيادى بمنظمة التحرير الفلسطينية، للاطمئنان عليه واطلاعه على أولى نسخ موسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية»، ليهديها المسيرى إلى صديقه وإلى «كل من صمد وسيصمد بإذن الله»،
كما جاء فى مقدمة الموسوعة التى قضى المسيرى فى إعدادها ما يزيد على ربع قرن من عمره، هو وزوجته الدكتورة هدى حجازى، الأستاذ المساعد بجامعة عين شمس، وظلا فترة طويلة يجمعان ويشتريان من أجلها الكتب من البلدان المختلفة، خاصة من أكبر مكتبات الولايات المتحدة الأمريكية، للدرجة التى جعلته يعين سكرتيرة له فى مطلع السبعينيات، كانت تتقاضى 40 دولاراً أمريكياً فى الساعة -بحسب رواية زوجته- لمتابعة كل ما له علاقة بتاريخ اليهود والجماعات اليهودية.
ولم تثنه التهديدات التى تعرض لها، من جانب مائير كاهانا، عضو الكنيست الإسرائيلى السابق رئيس جماعة كاخ الصهيونية الإرهابية، عن استكمال هذا العمل الفكرى الفذ. كان كاهانا قد أرسل للمسيرى 13 خطاباً اتهمه فيها بمعاداة السامية،
وجاء فى أحدها «إن لم يتوقف الدكتور المسيرى عن نشاطاته المعادية للصهيونية، فستصل إليه الأيدى الصهيونية، وستقوم بتصفيته»، الأمر الذى جعل السلطات الأمنية تضعه تحت الحراسة، حرصاً على حياته، إلا أن زوجته أكدت أن مثل هذه التهديدات كان يتوقعها المسيرى،
ولكنها كانت «غير حقيقية»، لأنه من «الغباء» على اليهود قتل شخص لمجرد أن موسوعته تتناول جميع الجوانب المتعلقة بتاريخ اليهودية، وعلاقتها بالصهيونية وبمعاداة السامية (معاداة اليهود). وارتبط الدكتور عبدالوهاب المسيرى بعلاقة خاصة بالقضية والشعب الفلسطينى،
إذ كان من أكبر المدافعين عنها والداعمين لها، من خلال موسوعته التى تناولت إسرائيل من الداخل، وكشفت الكثير عن نقاط ضعف المشروع الصهيونى، بل توقعت نهاية قريبة لدولة إسرائيل وفق معطيات وأدلة موضوعية ومنطقية كما جاء فى كتابه «انهيار إسرائيل من الداخل»، فضلاً عن العديد من الكتب التى تناولت القضية الفلسطينية والأزمة الصهيونية.
وأنهى المسيرى حياته السياسية بالانتماء لحركة «كفاية»، والنزول إلى الشارع، رغم تدهور حالته الصحية، وإصابته بمرض السرطان، وتعرضه هو وزوجته للاختطاف من قبل الأمن، لتأتى هذه النهاية متسقة مع رؤيته بأن الوضع السياسى المصرى، وصل إلى «منحدر مخيف».