لم أكن أفعل هذا من قبل، ولكنى أفعله الآن كل مساء وأنا عائد إلى بيتى، أحمل سلاحًا فى يدى وأتلفت خلفى، خوفًا من هذا الذى قد ينقض على فجأة بسلاحه ليقتلنى أو يهددنى من أجل الحصول علىّ هاتفى الجوال، على الرغم من أنه لو طلبه منى فسأمنحه له على الفور، ودون أى مقاومة، وفور دخولى شقتى أتأكد من إغلاق الباب بالمفتاح، وأثناء خروجى أوصى أبنائى بعدم فتح الباب إلا بعد التأكد من شخصية الطارق. هذا ليس حالى وحدى، وليس مرجعه أنه لا يمر يوم فى الشارع الذى أقطنه فى الهرم، إلا وتحدث واقعة «تثبيت» يتم فيها سرقة موبايل أو حقيبة سيدة، سواء فى وضح النهار أو فى ظلام الليل، ولم يمنع تلك الحوادث سكنى بجوار فندق ووجود سيارة للنجدة فى أحيان كثيرة، فما يحدث فى شارعى يحدث فى شوارع مصر بأشكال مختلفة، هذا عدا انتشار الشباب الذى يشرب البانجو علنا فى كل مكان. هذا ليس حالى وحدى، فبعد انتشار جرائم العنف الأخيرة، من قتل وتشويه وجوه الضحايا من أجل سرقات صغيرة أو كبيرة، لم تعد هناك امرأة لا تخشى على نفسها، أو على أولادها، أعرف سيدات يغلقن غرف النوم من الداخل على أنفسهن، وزوجات أصابهن الفزع وأصبحن يتشككن فى البواب وبائع الفاكهة، وصوت الريح إذا حرك ستائر البيت، لم يعد الخوف مقصورًا على ساكنى الشقق، بل وصل إلى أهل القصور والفيلات والتجمعات السكنية الفاخرة، التى يقف على أبوابها حراس مدربون مسلحون. لم نعد نعرف من سيكون قاتلنا: ضابط شرطة غاضب مندفع، جار حاقد، لص جائع أو مخدر، طبيب بلا ضمير، أو سائق سيارة متهور! لا أستطيع اتهام الشرطة بالتقصير الأمنى، ولا القضاء بعدم الحسم أو البطء فى توقيع العقوبات، فالمجتمع كله أصبح عنيفًا، كل فئاته وطبقاته تتصارع، السائقون فى الشوارع، القضاة فى المحاكم، الصحفيون فى صحفهم، المحامون فى نقابتهم، حتى الطرق الصوفية رعاة المحبة وصل إليها الصراع.. لذا ليس غريبًا أن يتفكك المجتمع، ينتشر الفساد، وبالتالى ينقض علينا اللصوص والقتلة فى البيوت والشوارع. الخوف سلطان هذا الزمان، لا مكان بيننا لآمن، الآمن يرفع يده يخبرنا من أين أتى به.. النار لم تعد تخيف الكثيرين، فالقلوب ماتت ومات بداخلها الإيمان، والسجون أصبحت أكثر إغراء بعد أن أصبحت بيتًا للنجوم والأثرياء ورجال الأعمال.. لم يعد هناك رمز، والأضواء خاصمت الشرفاء، فمن أين يأتى الأمان؟ أنقل إليكم خوفى، وخوف مَنْ حولى، وأدعوكم للتفكير معى، كيف يمكننا أن نعيش الآن فى أمان بلا خوف، وكل ما حولنا يقودنا إليه؟! [email protected]