شكلت تصريحات الزعيم العربى اللبنانى سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، بشأن المعابر بين قطاع غزة ومصر، وتصريحات بعض قيادات الحزب والمشاركين فى التظاهر التى شهدتها بيروت يوم الجمعة الماضى والتى تحمل مصر مسؤولية إغلاق المعابر وفتحها صدمة لقطاع عريض من المصريين ليس فقط بسبب نغمة إلقاء العبء كله على مصر وحدها دون لفت نظر حركة حماس فى قطاع غزة إلى أخطائها أو الأخذ فى الاعتبار وجود اتفاق فلسطينى إسرائيلى عام 2005 بشأن إدارة وتشغيل المعابر، أو بسبب التدخل فى شأن مصرى يتعلق بحق مصر فى حماية حدودها ورفض المساس بسيادتها، ولكن أيضاً بسبب صورة حماس السلبية لدى الرأى العام نتيجة ممارسات قياداتها على عكس صورة حزب الله الإيجابية وشعبيته التى اكتسبها بإحداثه يقظة قومية بانتصاره الاستراتيجى على إسرائيل التى نالت هزيمة مذلة فى حرب صيف 2006، ما يجعل مساندة حملة حماس ضد مصر تخصم من رصيد الحزب. كانت حركة حماس تتمتع بدعم معنوى كبير وقتما كانت حركة مقاومة مشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلى، وفقدت الكثير من هذا الدعم منذ قررت خوض انتخابات المجلس التشريعى الفلسطينى فى يناير 2006 على أساس اتفاق «أوسلو» سيئ السمعة الذى رفضته ولاتزال، وذلك فى انتهازية سياسية لا تليق بحركة تحرر وطنى، ومن ثم سقطت شرعيتها وبالتالى فقدت شعبيتها، حيث بدت قياداتها طلاب سلطة فى وطن محتل، وزادت حماس بإبرام اتفاق «تهنئة» غير مسبوق اسماً ونوعاً بين حركة مقاومة وسلطة احتلال، وعدم تجديد الاتفاق ما هو إلا استدراك لا يشفع لحركة مقاومة لاتزال تمارس الانتهازية السياسية التى تصم بها الآخرين!! توحد حركات المقاومة وبطولاتها المواقف والمشاعر الوطنية والقومية وتحدث صحوة فى الضمير الإنسانى، لكن حركة حماس أحدثت الانقسامات ليس فقط بين الشعب الفلسطينى فى أرض محتلة، وإنما أيضاً فى الموقف الداعم للقضية الفلسطينية، ومارست بعض عناصرها القتل ضد الأشقاء، ورفضت الحوار مع الشركاء فى الوطن «المأمول»، ووظفت القضية كورقة فى يد أطراف إقليمية أخرى بما فيها إسرائيل. خسرت حركة حماس الكثير تباعاً منذ فوزها فى انتخابات المجلس التشريعى فى يناير 2006 ثم مع تشكيلها الحكومة الأولى فى مارس من نفس العام، ثم باستيلائها على القطاع فى يونيو 2007 وما صاحب ذلك من ممارسات بشعة، ثم بإبرام اتفاق التهدئة مع المحتل «العدو» الإسرائيلى فى يونيو 2008، وأخيراً بإجهاض جهود المصالحة الوطنية الشاملة وعقد مؤتمر للحوار الوطنى الفلسطينى فى القاهرة فى نوفمبر الماضى، وقبل ذلك خسرت حماس بسبب اللغة المراوغة وتزييف الواقع، والأناقة التى يحرص قادتها على الظهور فيها عند مخاطبة الرأى العام، للحديث عن معاناة الشعب الفلسطينى تحت الحصار، وتحميل مصر المسؤولية!، والضجيج الذى تثيره تلك القيادات دون نتيجة على الأرض سوى المزيد من المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطينى، وتعميق الانقسامات، ولم تحقق حماس انتصارات على الأرض بل استمرت فى حفر أنفاق تحت الأرض بين غزةوسيناء تثير المتاعب لمصر. شتان بين حزب الله فى لبنان وحركة حماس فى قطاع غزة، فالأول يتمسك بالمقاومة أساساً لشرعيته، وذهب إلى الدوحة للحوار مع الشركاء فى الوطن، وكسب تعاطف ومساندة عربية واسعة، كما كسب لبنان من «الورقة الإيرانية» بأكثر من استفادة إيران من الورقة اللبنانية، على العكس فى حالة حماس التى تستخدمها إيران لصالحها بأكثر من استفادة القضية الفلسطينية من إيران. كما كسبت قيادات حزب الله احترام الآخرين، رغم الاختلاف بسبب الصدق وعدم استخدام لغة مراوغة، وعدم التطاول على الآخرين، وعدم الاهتمام بأناقتها وهى تخاطب الرأى العام العربى، ونتيجة أيضاً للعمل دون ضجيج وتحقيق انتصار على إسرائيل جذب اهتمام العالم لإنهاء الأزمة اللبنانية على العكس من القضية الفلسطينية التى يضعف يومياً الاهتمام العربى بها. على خلفية صورة حماس لدى الرأى العام فى مصر مقابل صورة حزب الله تأتى تصريحات السيد حسن نصر الله والاتهامات التى وجهها البعض فى تظاهرات الجمعة الماضية، صادمة لقطاع عريض من المصريين، ومفرحة لآخرين فى محاولتهم خلع صورة حماس على الحزب فى وقت توجه فيه الاتهامات إلى حماس بتسهيل عمداً أو سهواً مشروع إسرائيلى لتوطين اللاجئين الفلسطينيين ومواطنين من قطاع غزة أعلى مناطق العالم كثافة سكانية فى سيناء عبر دفعهم المتكرر لاقتحام الحدود المصرية. فهل من مصلحة حزب الله فى لبنان أن يساند حركة تريد أن تستمر فى ارتداء ثوب النضال بعدما أسقطت شرعيتها بنفسها وتسعى للتنصل من مسؤولياتها عن معاناة شعبها، بينما تتهم مصر بالمسؤولية وبخيانة القضية وتضغط على أعصابها؟! إما أن تعود حركة حماس حركة مقاومة مشروعة ضد الاحتلال.. وإما أن تمارس الانتهازية السياسية فى إطار السياسة وليس فى إطار المقاومة، أما الانتهازية تحت مظلة المقاومة فقد تخدع بعض الناس لبعض الوقت لكنها لن تخدعهم كل الوقت، وأمر سيئ أن يمارس قادة حماس انتهازيتهم تحت مظلة حزب الله، والأسوأ أن تسمح قيادة الحزب لهم بذلك حتى ولو لبعض الوقت. [email protected]