التقيت شابًا متحمسًا سألنى: ماذا نفعل؟ قلت له فى براءة لن يصلح حال آخر الأمة إلا بما صلح به أولها، علينا أن نتمسك بمشروعنا أسلمة المجتمع، لكنه باغتنى: وأى الوسائل نتبع قبل توبتكم أم بعدها؟ فأدركت أنه من جنس الشباب الذى يود حصد النتائج السريعة وبوسعه أن يضحى بنفسه سريعا ومثله كثيرون على مر السنين الماضية. ارتبكت قليلا غير أنى عاودت حديثى معه بعيدا عن الفخ الذى أراد وقوعى داخله وتحدثنا طويلا. استيقظت مصر بعد غفوة طويلة على إثر وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قائد ثورة 23 يوليو 52 وانتبهت وفق تعبير الأديب توفيق الحكيم عودة الوعى. استيقظت على حكم جديد وشعارات الإيمان تعمر الآفاق ووسائل الاعلام، وسيادة القانون. استيقظت على أشباح خرجوا من السجون بعد سنوات طويلة، استمع الشباب لقصصهم عبرة لأولى الألباب، ولا ينبئك مثل خبير. استيقظت مصر على انتصارات حقيقية لأول مرة فى السادس من اكتوبر 73، وكانت الجماعات الاسلامية قد تكونت داخل الجامعات نتاج رد فعل طبيعى لكل ما جرى ويجرى آنذاك، تكونت بصورة تلقائية وبقلوب مفعمة بالإيمان والخير والفضيلة. بعد سنوات طويلة من اتباع الشرق تارة والغرب تارة أخرى توجه شباب الأمة المصرية إلى الله، كان مشروعهم الأساس الذى آمنوا به وراحوا يحدثون الناس حوله هو الإسلام وببساطة حقيقية كانوا يطالبون بتطبيق الشريعة، والتفت القلوب فى الجامعات خلف هؤلاء الثلة الأولى التى بذرت البذرة، وكان مشروع الكتاب الإسلامى ليفتح للشاب الجامعى آفاقا جديدة ورحابا أوسع من الفكر والثقافة والهوية. ثم كان مشروع الحجاب للفتاة المسلمة تعود به إلى وثوق العلاقة مع بارئها وخالقها، وانطلقت كتائب الدعوة من المساجد والجامعات إلى الكفور والنجوع والمراكز والمدن، فى شغف من المرتحل المبلغ وفى شوق من المتلفى رجل الشارع البسيط، وأصبح شعار الإسلام هو الحل شعار مجتمع بأسره فرضته كل تلك الظروف التى حدثتك عنها يا ولدى، لم يكن شعارا انتخابيا خاصا بالإخوان المسلمين. عندما سعى الرئيس المصرى السابق أنور السادات إلى إجراء تعديل دستورى يتيح له إطلاق مدد انتخاب منصب رئيس الدولة ليستفيد من ذلك ويستمر فى منصبه دعا الشعب إلى الاستفتاء العام ليدلى بصوته بالموافقة أو الرفض على هذا التعديل، غير أنه – السادات – ربط ذلك بأمرين إما أن يوافق عليهما معا أو يتم رفضهما معا، الأول جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع وثانيهما إطلاق مدد انتخاب رئيس الدولة، وبذلك ضمن السادات نتيجة التعديل الدستورى الذى يرنو إليه وراهن بذكائه المعروف على حب الشعب المصرى للإسلام. هذا هو المشروع الذى على النخب الإسلامية إعلاؤه والصياح به والمطالبة بتنفيذه، إن عالما وداعية وحيدا صدع بهذا المشروع بين جنبات مجلس الشعب لسنوات طويلة، ربما شاركه دعوته تلك قلة قليلة من النواب المحترمين. لكن الرجل كان صاحب صوت عال شجاع غير هياب، تحول الشيخ صلاح أبو اسماعيل إلى رمز التفت حوله الجماهير المؤمنة فى كل مكان، تمثل لها أملا كبيرا فى أسلمة المجتمع، فرض من خلال النص الدستورى عدم مخالفة أى نص تشريعى جديد لمبادىء الشريعة، ومن خلال حماسته أودع مجموعة من علماء الأزهر، وشاركهم فقهاء آخرون، مشروعات لتقنين الشريعة مضابط مجلس الشعب، غير أن رئيس المجلس وقتها قبرها واستصدر قرارا بغلق باب المناقشة فى هذا الموضوع. لقد رأينا نوابا كثيرين دخلوا مجلس الشعب بعد صلاح أبو اسماعيل - طيب الله ثراه - لم يشعر بهم أحد، وخرجوا من المجلس دون أن يشعر بهم أحد، وزاد عددهم أعدادا مضاعفة دون أن يشعر بهم أحد، وأخشى ما أخشاه أن يشعر الناس بالإحباط من عدم ترجمة اختيارهم لاعداد كبيرة من النواب إلى تغيير فى خارطة إصدار القوانين أو واقع معايش يحمل أحلامهم وآمالهم. إن جيلنا يا ولدى لم يسع إلى الصدام أو العنف أبدا، جيلنا حمل أحلامه بين يديه بقلوب طاهرة، كان يملؤه أمل فى استيعاب أحلامه من المؤسسة الدينية الرسمية ومن أجهزة الدولة، استغرب محاورى الشاب استخدامى كلمة العنف «بدلا من الجهاد»، قلت له يا ولدى لقد استخدمها النبى صلى الله عليه وسلم من قبل « إن الله يعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف» وغير هذه مما لا تسعفنى الذاكرة به، المؤكد أن المناط يختلف والمجال يختلف أيضا فالجهاد له ميادينه وضوابطه، وفرق كبير جدا وبون شاسع فعلا بين الإسلام والعنف أو الإرهاب، وكثير هم من يحاولون لعداوات فكرية أو أيديولوجية أن يخلطوا بين الاثنين ليصلوا إلى معادلة صعبة تكرس لدى الجميع الخوف من الإسلام. وللحديث بقية.