اتخذت الصين والهند وبولندا، عدة قرارات هذا الأسبوع، فى اتجاه خفض الفوائد على القروض والودائع، بنسب متفاوتة، بهدف توفير سيولة مناسبة فى الأسواق، يمكن بها مقاومة تداعيات الأزمة المالية العالمية، قدر الإمكان. ولابد أن الدكتور فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى، قد تحسس جيبه، حين قرأ مثل هذه الأخبار، ثم راح يقارن بينها وبين أخبار مماثلة، فى الاتجاه نفسه، كانت قد اتخذتها البنوك المركزية فى أنحاء العالم، خصوصاً فى بريطانيا، وفى الاتحاد الأوروبى، ثم فى الولايات المتحدة! ولابد من الإقرار مقدماً، بأنه ليس من حق أحد، حتى ولو كان هذا الأحد هو رئيس الدولة، أن يتدخل فى عمل محافظ البنك المركزى، لأن هناك اتفاقاً فى العالم بين الاقتصاديين وأساتذة الاقتصاد، على أنه لا يجوز مطلقاً الخلط بين السياسة المالية، التى هى من صميم عمل أى حكومة، والسياسة النقدية، التى هى من اختصاص البنك المركزى وحده، دون أن ينازعه أحد فيها! وربما يكون كثيرون، قد استغربوا فى هذا الإطار، أن يدعو الرئيس مبارك، فى خطابه أمام مجلسى الشعب والشورى، صباح الأحد الماضى، الحكومة إلى اتخاذ ما من شأنه خفض الفوائد على القروض، خصوصاً تلك القروض الممنوحة من البنوك للمستثمرين، الذين يواجهون أزمة هذه الأيام فى توفير السيولة اللازمة لتسيير أعمالهم بسبب ارتفاع الفوائد، مقارنة بمثيلاتها فى العالم. فالرئيس، عندنا، هو رأس السلطة التنفيذية، التى هى الحكومة، وهو بما دعا إليه، يتدخل فيما لا يحبه الاقتصاديون، ولا يشجعه أساتذة الاقتصاد، الذين يرون طول الوقت، أن البنك المركزى فى ظل أى سياسة اقتصادية حكيمة، يجب أن يمارس سياسته النقدية، فى استقلالية كاملة عن الحكومة، حتى يتمكن من حماية العُملة، بكل معانى هذه الحماية.. وتلك حقيقة! ولكن هناك فى المقابل من يرى عن حق أن الدكتور فاروق العقدة، إذا كان قد أعاد إلى البنك المركزى قوته، وإذا كان قد استرد للسياسة النقدية مكانتها المستقلة، وإذا كان قد حافظ، ولايزال، على الجنيه فى مواجهة الدولار واليورو، وإذا كانت عيناه لا تفارقان مؤشر معدل التضخم، بهدف العمل على خفضه بأى طريقة.. فإنه يجب أن يلتفت، فى الوقت نفسه، إلى أن رئيس الدولة، حين يتبنى تلك الدعوة فى خطابه، فإنه يتطلع إلى المسألة من منظور اقتصادى أعم وأشمل، وهو منظور الرغبة فى إنعاش الاستثمار فى البلد فى ظل حالة من الكساد والركود العالمى، يمكن أن تؤثر فيه سلباً، وتؤدى إلى تقلص أنشطة استثمارية كثيرة، وتراجع حجم الاستثمار بوجه عام، بما لكل ذلك من أثر سيئ، على الاقتصاد كله! التضخم مكروه فى كل عصر، ومطاردة البنك المركزى له فى كل وقت، ورغبته فى تطويقه، لا يختلف اثنان على أنها سياسة رشيدة، وينبغى أن تلقى كل مساندة من الدولة، ولكن حين تجد نفسك كبلد أمام خيارين: إما أن تخفض سعر الفائدة على القروض بهدف تشجيع الاستثمار وتحفيزه وإغرائه، وإما أن تحافظ على أسعار الفوائد كما هى، بهدف العمل على المدى البعيد على خفض معدل التضخم، فلابد، والحال هكذا، أن تميل إلى الخيار الأول، لأن عائده من حيث تنشيط الأسواق، ومن حيث توفير فرص عمل، ومن حيث التوسع فى الاستثمار فى كل اتجاه، يستأهل أن تضحى من أجله، لا أن تضحى به!.. بالضبط كما يجد الطبيب، فى بعض الأحيان، أنه لابد أن يضحى بالطفل من أجل حياة الأم فلا يتردد فى الاختيار.. أو يكتشف مريض أنه إما أن يعالج تساقط شعره، أو يعالج مشاكل فى قلبه، فيميل إلى الثانية، دون تفكير!.. فالمسألة هى أولويات اللحظة!