لقاءات البابا شنودة والإمام الأكبر.. لا هى كانت ذات أثر عند العامة، ولا حتى عند الصفوة.. فقط لقاءات إعلامية، لا تتجاوز مكانها ولا زمانها.. يعتبرها البعض لقاءات سياسية، أكثر منها واقعية.. أو هى تمثيلية أكثر منها حقيقية.. والدليل أن الفتنة ما تلبث أن تطل برأسها، سواء فى حادث طائفى أليم، أو فى تصريح طائفى سقيم، يشعل النار، كما حدث بعد تصريحات د. سليم العوا، والأنبا بيشوى! أعترف أن هذه المرة، ربما تكون من المرات القليلة، التى أتعرض فيها بالكتابة لقضية طائفية.. وأعترف أنها تعكس رغبة شخصية، لعدم الخوض فى شأن، نعتبره حراماً فى «الوفد»، فقد تعلمنا أنه لا يوجد عنصران.. ولا توجد أقليات.. وربما يكون حاضراً فى الأذهان، يوم منع فيه الراحل العظيم فؤاد سراج الدين مقالات للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، حول الأقليات فى مصر! يبقى السؤال: لماذا أكتب الآن؟.. لأن ما قاله الأنبا بيشوى لا يمكن أن يمر، وإن اعتذر وتراجع.. كما أن ما قاله الدكتور سليم العوا ما كان ينبغى له أن يخوض فيه مع الخائضين.. هذه واحدة.. الثانية أن التصريح الذى حدث أخطر أثراً من أى حادث أليم أريقت فيه الدماء.. فالأثر يبقى، وإن انتهى كل شىء، وعاد المتحاربون إلى ديارهم، لأن تداعيات التهم ستبقى مع الزمن! نأتى لما قاله الأنبا بيشوى، الرجل الثانى فى الكاتدرائية، بشأن إضافة آيات ل«القرآن الكريم» فى عهد عثمان بن عفان.. وهو تشكيك واضح لم يقل به أحد، لا يهودى ولا نصرانى.. ولا حتى كفار قريش.. وهو ما يثير غضب الأزهر والمسلمين.. ولا أتصور أنه قد ينتهى باعتذار بيشوى، ولا البابا شنودة نفسه.. وأظن أنه لم يكن رأياً مفاجئاً، وبالتالى فهو كاشف لحالة من الخصومة الشديدة! وهنا، لا يمكن أن نتحدث عن وحدة وطنية حقيقية، بينما القائمون عليها يطوون صدورهم على كوارث، تفتح أبواب الجحيم.. فالأنبا بيشوى واحد من قيادات الكنيسة الكبار، الذين يديرون كثيراً من اللقاءات بين الأزهر والكنيسة، بهدف تقديم الوحدة الوطنية فى أجلى معانيها.. ولعل ذلك كان سبب ثورة غضب البابا، ورفضه لما قاله نائبه، كما كان سبب صدمة كبرى، داخل مشيخة الأزهر! وفى أول تعليق للدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قال إنه «لم يكن يتوقع صدور مثل هذه المواقف، خصوصاً فى الوقت الذى يسعى فيه الجميع للتأكيد على أهمية الوحدة الوطنية، بدلاً من إشعال الفتنة الطائفية».. قبل أن يكون هناك اجتماع طارئ، لإعلان موقف الأزهر فى بيان يكشف حجم الغضب داخل المشيخة، والشارع المصرى على السواء! الجديد أن ردود الفعل الغاضبة لم تكن على مستوى المسلمين فقط.. ولكن كانت على مستوى المسيحيين أيضاً.. ودعا الطرفان إلى ضرورة التهدئة.. كما أن بيشوى قال: «لا أريد الحديث إلى الإعلام مرة أخرى، لأننى كلما تحدثت يخرجون كلامى عن سياقه»، مضيفاً: «وأعتقد أنه ليس من العدل أن يتهمنى شخص بازدراء الإسلام أو الإساءة إليه»! إذن، نحن أمام تراجع واعتذار ومبررات.. وأعتقد أن ما حدث كان انتقاماً للكنيسة، خاصة إذا نظرنا إلى الترتيب الزمنى لتصريحات بيشوى، بعد تصريحات العوا، التى تحدثت عن مخازن الذخيرة بالكنائس.. وإن كان العوا قد أنكر ذلك أيضاً.. الخلاصة أن الاعتذار فى هذه المسائل لا يحل المشكلة.. سيبقى بيشوى هو الذى شكك فى «القرآن الكريم»، وسيبقى العوا هو الذى طعن فى وطنية الكنيسة.. وهى فتنة يمكن أن تكون فتنة القرن!