عندما نتأمل فيما حدث في الأسبوعين الماضيين ومازالت آثاره وتوابعه تتوالي حتي اليوم، ونري أنه نوع من الفوضي الذي يمكن أن يؤدي إلي كارثة فالفتنة تطل برأسها ومعظم المصريين يشعرون بالطمأنينة لأنه في كل مرة يحدث ذلك تقوم الدولة بالتدخل في اللحظات الأخيرة، وتحسم أمره ولكن هل يمكن أن يستمر الحال هكذا، والمشكلة أن هذه الفوضي ليست بين الأقباط والمسلمين فقط لكنها بين الأقباط وبعضهم البعض وبين المسلمين وبعضهم البعض، فتجد أن المسيحيين الأرثوذكس يصرحون بتصريحات مؤذية ضد المسيحيين الإنجيليين مثل أنهم لن يدخلوا ملكوت السموات وأيضا أن زواجهم زني، وأنهم يخترقون الكنيسة الأرثوذكسية بدعوة الشباب لبيوت المؤتمرات وبها حمامات سباحة مشتركة، ولأجل ذلك قام د. القس صفوت البياضي بمبادرة طيبة وحكيمة علي رأس وفد بزيارة قداسة البابا شنودة الثالث وذلك يوم الخميس 2010/9/30 وكان صاحب الفكرة القس كمال يوسف يعقوب رئيس لجنة الحوار بين المذاهب، وقد تحدث إلي بعد المقابلة قائلا إن اللقاء استمر أكثر من ساعتين وكان مع قداسة البابا عدد من الأساقفة الأجلاء، ولقد دار في هذا اللقاء حوار صريح جداً، ولقد طالب البابا أثناء اللقاء بعدم العودة إلي الماضي، إلا أنه اتفق علي عدم التعرض بأي صورة لإيمان وعقيدة الآخر، وأن تكون هناك لقاءات بين الكنيستين لاستكمال الحوار وعقد ميثاق مشترك بين الكنيستين يلتزم به الجميع، هذا وقد أعلن قداسة البابا أنه يحترم ويقبل أي زواج يتم في أي كنيسة غير أرثوذكسية ونفي أن يكون قد اعتبر أو أعلن أن أي زواج خارج الكنيسة الأرثوذكسية زني وهو الأمر الذي يرفضه تماما، ولنا علي هذا اللقاء عدة ملاحظات: أولا: إن الاحتقان لا يعالج بدون اللقاءات المباشرة: فعندما يلتقي أي طرفين لكل واحد عليه شيء للآخر، ويكون اللقاء بهدف تذويب الاختلافات وتوضيح الأمور ونشر السلام والحب بين الطرفين، هنا تحدث الخطوات الايجابية التي تذيب اللبس والغموض التي شابت العلاقة، ويتضح أن التصريحات التي قيلت لسبب أو آخر لم تكن حكيمة كفاية لقد وضعت أولوية لأنها المذهب أو الطائفة علي علاقات الحب والتسامح وهو ما تدعو إليه كل الطوائف علي اختلاف اتجاهاتها، لذلك من المهم أن تتم لقاءات كثيرة من هذا النوع بل وتتم لقاءات نظيرها بين الأقباط والمسلمين، ليس للتحية والمجاملات لكن لإزالة اللبس فكل دين يحتوي علي عقيدة وسلوك، والإنسان عادة يهتم بالعقيدة علي حساب السلوك، بينما الله يهتم أولا بالسلوك ثم العقيدة، بعد ذلك، فمهما كان فهم الإنسان للعقيدة بسيطا وسطحيا لكن سلوكه يعبر عن علاقته بالله بالحب والتسامح مع الآخر أفضل عند الله من التفقه في الدين ورفض الآخر وتعميق الكراهية ضد المختلف. ثانيا: إن اللقاءات المباشرة تعالج ازدواج الشخصية: فعادة نجد أن كل طرف يتحدث في العلن وأمام الناس بخطاب كله حب وصفح وسلام وقبول للآخر، لكن عندما يجلس مع أتباعه يتحدث بصورة مختلفة فيها رفض للآخر وتكفيره لذلك ومع الوقت تنعدم ثقة الناس في قياداتهم الدينية لأنهم يعيشون الخطاب المزدوج وهذا الخطاب لا يصمد أمام الزمن والأحداث فلابد أن تفلت كلمة هنا أو هناك، وكان نتيجة التقنية الحديثة أن الخطاب الذي كتبه الأنبا بيشوي ليلقيه في مؤتمر تثبيت العقيدة لم يخطر بباله أن يتسرب إلي العامة، سواء خطابه السلبي نحو الانجيليين أو المسلمين، فهذا الخطاب للخاصة، لكن عندما صار للعامة صنع مشكلة ضخمة جدا، ولذلك لا يجب أن يكون العلاج هو زيادة السرية مع الخاصة وزيادة الكلمات المعسولة مع العامة، لكن العلاج الحقيقي أن نتغير من الداخل وأن نقبل الآخر بشكل فعلي وحقيقي، وهذا لا يتم إلا من خلال لقاءات ومؤتمرات نناقش فيها الأمور علانية مثل أولوية مصر والمواطنة علي الدين والطائفة والمذهب، وتعقد هذه المؤتمرات علي الهواء مباشرة، فلا يستطيع أي طرف انكار ما قاله، ونحن نحتاج فعلا لإخلاص شديد نحو وطننا لأنه دون ذلك سوف يحترق الوطن ونندم في وقت لا ينفع فيه الندم.