العديد من الأشخاص تمت تسميتهم – من جانب بعض الناشطين السياسيين ووسائل الإعلام - لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة (2011) ضد مبارك الأب أو الابن. وقد برز خلال الأسبوع الماضى اسم محمد البرادعى، رئيس الهيئة الدولية للطاقة الذرية، والسيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وتضم بورصة الأسماء المرشحة العديد من الشخصيات الأخرى. وقد تشهد الأيام المقبلة تراجعاً فى قيمة بعض هذه الأسماء، وقد تظهر أسماء أخرى جديدة غير متوقعة. المهم أننا أصبحنا نعيش هذه الأيام أجواء إنتاج «فيلم عربى»، يمكن وصفه ب «فيلم الرئاسة»، يبحث له الكثيرون عن بطل ليقوم بتمثيل الدور الرئيسى فيه، لكنه للأسف الشديد بطل بلا بطولة! فنحن لا نملك سوى عنوان الفيلم فقط «الرئاسة»! أما السيناريو والحوار فلم يكتب بعد، فأى من هذه الشخصيات المرشحة حتى الآن لا يرتبط باسمها برنامج عمل أو حتى مجموعة التصورات الأساسية التى سوف تحكم أداءها إذا وصلت إلى سدة الحكم، بل إنهم جميعاً يحرصون على المراوغة فى تحديد موقفهم من الفكرة فى حد ذاتها، فما بالنا بالنزول إلى الشارع المصرى، والبدء فى التحرك من أجل إقناع الناس ببرنامج أو أفكار محددة حول تغيير، وإصلاح الأوضاع فى مصر. ومن الواضح أن حالة من اليأس تسيطر على من اقترحوا هذه الأسماء، وعلى أصحابها أيضاً، فالجميع لا يرى أملاً فى «قلقلة» الأوضاع المستقرة منذ عشرات السنين، وبالتالى فمن يرشح هذه الأسماء لا يعدو أن يكون غريقاً يحاول أن يستجير بغريق مثله! إن من واجبنا أن نستوعب أن القضية ليست فى سؤال: من يحكم مصر؟ لكنها فى سؤال أهم وهو : كيف تحكم مصر؟ فالمسألة ليست فى اسم البطل الذى يمثل الفيلم، ولكن فى السيناريو والحوار الذى سوف يحكم أداءه وحركته على مسرح الأحداث. وعندما يتم حبك الفكرة فليس من المهم بعد ذلك من يقوم بتمثيلها، طالما كان هناك مخرج يتابع حركة الممثل ويوجهه. واستغراق من يحلمون بالتغيير فى مصر فى اقتراح أسماء لا يعنى سوى حقيقة واحدة، وهى أن لجنة السياسات بالحزب الوطنى نجحت تماماً فى «تدويخهم» وإلهائهم عن الكثير من القضايا الأهم التى كانت تشغلهم فيما مضى، وأصبحت فى خبر كان بعد أن أدخلتهم «اللجنة» فى لعبة الأسماء. من هذه القضايا مثلاً قضية تغيير المادة «77» من الدستور والتى تنص على حق رئيس الدولة فى الترشح لمدد أخرى دون سقف زمنى محدد (حتى يأتيه اليقين). هذه المادة على سبيل المثال لابد أن تتبنى القوى الساعية إلى الإصلاح حملة من أجل تعديلها، بحيث تمنع ترشح الشخص لأكثر من مدتين، على أن تكون مدة الحكم 5 سنوات، فيكفى جداً أن يعشش رئيس الدولة فى ذهن جيل واحد فقط! فلتتغير هذه المادة الدستورية ثم يحكمنا بعد ذلك من يحكمنا، فرئيس الدولة الذى يعلم أنه لن يمكث فى الحكم أكثر من عشر سنوات، وأنه سوف يفقد سلطته خلال فترة زمنية محددة، سيكون حريصاً أشد الحرص على أن يحكم بالعدل والديمقراطية والنزاهة والشفافية، لأنه يحسب حساب يوم سوف ينزل فيه من فوق الكرسى ليحاسب كمواطن عادى! كذلك من المهم إعادة النظر فى مسألة الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية، كحقه فى إصدار قرارات جمهورية لها قوة القانون بعد موافقة ثلثى مجلس الشعب «الملاكى»، والحق فى تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين وعزلهم، والحق فى العفو عن العقوبة أو تخفيضها. إن التخفيف من وزن حقيبة الصلاحيات التى يحملها رئيس الجمهورية، سوف يساعد على إدارة البلاد بشكل مؤسسى، لأن سؤال من يحكم مصر أهم بالنسبة لها من سؤال كيف تُحكم مصر. وعلينا – لكى نكون منصفين – أن نلتمس العذر لمن يتبنى هذا الطرح اليوم، لأن أغلبهم أصبح يرى أن تغيير الوجوه الحالية هو المقدمة الأساسية للإصلاح. والمشكلة أن العلاقة بين التغيير والإصلاح ليست علاقة شرطية. فمن الممكن أن يحكم مصر غداً جمال مبارك أو محمد البرادعى أو عمرو موسى أو أيمن نور، ولكن ما الفائدة فى أن يحكم أى من هؤلاء فى ظل مواد الدستور الحالية، التى لا تصنع مؤسسات بل «تؤله» أفرادا؟ إن السيناريو المتوقع فى هذه الحالة أن يعلن الرئيس الجديد أنه لن يستمر فى الحكم أكثر من مدتين، وبمرور السنين ومع اقتراب خط النهاية للمدة الثانية سوف تجد من يقول كيف يمكن أن نتخلى عن هذه القيادة الحكيمة التى اكتسبت الخبرة والحنكة عبر سنين حكمها لنساند قيادة جديدة لا نعرفها، لا «اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش»، وهكذا تتكرر المأساة من جديد لتعود «ريمة إلى عادتها القديمة». إن سحابات اليأس تنشر الغيوم فوق رؤوس من يعيشون على تراب هذا الوطن، يستوى فى ذلك من يشارك فى الحكم وصناعة القرار، ومن يحلم بالحكم ويطمح إليه، ومن يدعو إلى الاستمرار، ومن ينادى بالتغيير. ومن الواضح أن الوحيد الذى لم يصبه اليأس فى هذا البلد هو السيد الرئيس، لأنه مازال حريصاً على التحرك والعمل حتى الآن.. يشهد على ذلك رحلته الأخيرة إلى عدد من الدول الأوروبية، ومبارك هو الشخص الوحيد الآن القادر على إحداث المعجزة فى هذا البلد حتى تتبدد سحابات اليأس التى تسود سماءه، وقد بادر الرئيس إلى تعديل المادة «76» من الدستور قبل الانتخابات الرئاسية الماضية (2005)، وجدير به اليوم أن يقوم بمبادرة مماثلة قبل انتخابات (2011) فيغير المادة «77» ويعدل المواد الأخرى التى تمنح صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية. لتكن تلك «منحتك» يا «ريس» لشعبك الذى يعيش «محنة» اليأس!