وإذا لم يكن من الموت بدٌ فمن العار أن تموت بأنفلونزا الخنازير، أو على رأى صديق لى «أنا آسف.. مش لدرجة إنى أموت على يد خنزير.. طيور ماشى.. على الأقل طاهرة». تشعر أن هذا المنطق هو الذى جعلنا هذه المرة «متنحررين» فى مواجهة أنفلونزا الخنازير، على عكس أنفلونزا الطيور التى ظنها بعضنا وهمًا اخترعه ابن مسؤول كبير «جاب شحنة فراخ مجمدة بالاشتراك مع رجال أعمال تُقال وينوى تسويقها فى البلاد» وبناء عليه خبأت نسواننا فى الحارات والأحياء الشعبية فراخهن فى الحمام وتحت السرير، فصرنا ولأول مرة نمرة واحد فى شىء، عدد الوفيات الناتجة عن أنفلونزا الطيور. أما الخنازير يا ولداه أو يا إخيه، حسب موقفك منها، فلم نقاوح للحظة فى حقيقة ارتباطها بالوباء المميت، ولم نطلق ضدها التشنيعات والشائعات، بل توحدنا صفا واحدا من أجل إعدامها، وفجأة أصبح مشايخنا الذين لم نسمع لهم حِساً أيام أنفلونزا الطيور مؤمنين بالعلم، واعتبروا ما حدث إعجازا علميا جديدا كأنهم الذين اكتشفوا الوباء وهم الذين بفضل علمهم الشرعى سيقضون عليه. ولأننا يجب ألا نفوت فرصة ظهور وباء جديد لكى ننشر أوبئتنا القديمة، لضمنا وباء أنفلونزا الخنازير بوباء الفتنة الطائفية، فطلع علينا أناس لهم أجسام البغال وأحلام الخنازير ليتركوا الوباء الذى يهدد وجودنا جانبا، وأخذ هذا ينهق بأن إعدام الخنازير مؤامرة إسلامية على أرزاق المسيحيين، وذلك ينعق بأن المسيحيين وخنازيرهم هيودوا البلد فى داهية، ستجد من يقول الآن إشمعنى قلت على الصوت المسيحى إنه ينهق والصوت المسلم إنه ينعق، طيب يا سيدى أنا آسف، الكل يغردون وأنا وحدى الذى أنعق وأنهق إذا كان هذا يريحك، ممكن بقى نشغل أنا وأنت العقول التى فضلنا الله بها على الخنازير، فنتذكر أن الله تعالى حرم على المسلمين أكل لحوم الخنازير، لكنه لم يحرّم وجودها فى الحياة وإلا لما كان خلقها أساسا، وأن الأماكن المزرية التى نربى فيها الخنازير هى اختراعنا الشخصى الذى لم يكن يجب أن ننتظر وباء لنغيره، وأن مطالبة الدولة بتعويض أصحاب الخنازير المعدمة فورا واجب على كل مواطن، بغض النظر عن ديانته، التى لن يتمهل الوباء الكافر لكى يتبينها قبل أن يصيبه. آه، يبدو أن وباء الغباء أصابنى فأخذت أنتظر السمنة من يد الدولة التى ليست محتاجة لوباء كى ينكشف عجزها وتخبطها، هى لم تكن قادرة من الأساس على نقل مزارع الخنازير بعيدا عن الكتلة السكانية، وفتحت الباب لمليون شائعة عن سر تخبطها المهين، ولذلك تلجأ الآن إلى «الغشومية» من أجل إعدام الخنازير وقمع أصحابها الذين يطرحون أسئلة مشروعة عن التعويضات التى يستحقونها، ثم تفتق ذهنها أخيرا عن حل جهنمى لعدم دفع التعويضات، يقضى بذبح الخنازير وتجميدها لتفتح فاتوحة فساد جديدة ستجعل ملايين المصريين يشكون فى طبق البيض بالبسطرمة الذى يأكلونه، ليقدم كل هذا العك دليلا إضافيا على أننا، حكاما وشعوبا وأجهزة، ليس لنا لازمة فى هذا الكون، وأننا سنفنى ونفنى معنا الكون طالما ظلت هذه الأنظمة الفاسدة المستبدة تحكمنا. فى نهاية شهر أبريل وفور انتشار الوباء عالميا، استضاف برنامج «الجزيرة» منتصف اليوم سيدة ظننت بسبب هزال ملامحها أنها من ضحايا أنفلونزا الخنازير ثم اتضح أنها مسؤولة صحية مهمة فى جامعة الدول العربية، سألها المذيع عن الدور الذى ستلعبه الجامعة فى التنسيق بين الدول العربية لمكافحة الوباء، فبشرتنا بأن الجامعة ستعقد اجتماعا طارئا لذلك يوم 9 مايو، المذيع لم يستطع كظم غيظه وسألها: كيف ينعقد اجتماع طارئ بعد أكثر من حداشر يوم يكون الوباء فيها قضى على الكون؟! وهى قالت بمنتهى البرود إن سر تأخير عقد الاجتماع يكمن فى ضرورة التحضير الحكومى الجيد، بينما هى تعلم والمذيع يعلم ونحن نعلم أن الاجتماع الذى سيتكلف الشىء والشويات من مواردنا المنهوبة، سيضم رهطا من العاجزين للثرثرة فى جلسات مغلقة يطلعون بعدها ببيان تاريخى يشجبون فيه الأنفلونزا ويدينون الخنازير، ثم يتوسلون إلى العالم المتقدم الذى يرفض إعدام الخنازير أن يخترع علاجا يوقف انتشار الوباء لكى لا تفنى الشعوب العربية عن بكرة أبيها، فلا يجد الحكام العرب ساعتها شعوبا يعاملونها معاملة الخنازير. اللهم أدم علينا نعمة الشعوب المتقدمة الكافرة التى تكافح الأوبئة وتعالج الأمراض، حتى نظل أقوياء قادرين على استحلال دمها والدعاء عليها وعلى من والاها. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]