لا يعانى الخنزير فى أى مكان بالعالم من الصورة السلبية التى له عند المصريين، فالخنزير البرى والدب هما ملكا الغابات الباردة، فى مقابل الأسد والنمر فى الغابات الحارة، وهو حيوان منزلى مدلل كالخراف فى بيت فلاحى أوروبا. الفراعنة كرهوا الخنزير، ولم يعدم الحيوان الطيب على مر التاريخ الأسباب التى تباعد بينه وبين المصريين، مرة من الدين وأخرى من السياسة، ففى عصور الفساد تبرز صفتان من صفات الخنزير، إحداهما سلوكية: قلة الحياء، والثانية جسدية: حيث يوصف فساد الوجه ب«الخنزرة» عندما يسمن ويفقد قدرته على التعبير كوجه الخنزير. ليست كل سمنة خنزرة، فاللحم العريق الذى ينمو فى بيوت العز، واللحم المغوى فى وجوه حسان البدينات لا يوصف بمثل هذه الصفة. وحده لحم الفساد هو المخنزر، ذلك لأنه ينمو سريعاً، ويتكاثف فى كتل جيلاتينية لم تعش مع جسد صاحبها رحلة الشقاء فى الحياة التى انتهت بانهمار الفلوس كالمطر، ولذلك فهذه الكتل لا تشعر بالمرارة التى يشعر بها باقى الجسد، وتظل خلواً من التعبير، فتتشابه مع الخنزير ومع بعضها البعض، فتبدو وجوه الفاسدين كما لو كانت خارجة من مصنع، ومن خط إنتاج واحد، يستوى فى ذلك رجل الأعمال الفاسد مع الوزير المفسود والصحفى الكبير بقرار! بالتأكيد هناك من الفاسدين من ينجو من السمنة الطارئة ومن خنزرة الوجه، لكن ذلك لا يتعدى نسبة المجرمين الوسماء، التى تظل معها نظرية لامبروزو فى الوجه الإجرامى صحيحة. وإذا نجا أحدهم من هذه السمة الجسدية، فإنه لا ينجو من سمة قلة الحياء، التى تمنعه من الإحساس بالعار عند تورطه أو تورط أحد من مساعديه فى قضية فساد، ذلك الإحساس الذى يتجاوز فكرة القانون ويسبقها. الحياء هو ما يجعل مسؤولاً أوروبياً يستقيل لأن زوجته استخدمت سيارة الوزارة، بينما قد تدفع هذه المخالفة مسؤولاً يابانياً للانتحار! عندنا، لا يذبح السياسيون أنفسهم، ولا يحلمون بأنهم يذبحون أبناءهم من نصابى توظيف الأموال وسارقى الكحل من العيون، لكنهم يذبحون الفراخ، ويذبحون الخنازير، من باب الاحتياط ودون تفكير. قد لا يكون لهذا التصرف التلقائى علاقة بالخنزرة، ولكنه سلوك إنسانى ينم عن الضعف والارتباك فى مواجهة الأزمات، ويكشف عن عدم الاستعداد، وهذه كلها صفات تجعل المسؤول غير جدير بالمسؤولية، وينبغى أن يعاقب، أو على الأقل أن يترك منصبه ويبقى فى بيته خوفاً من العدوى. قد تكون هناك شبهة تحيز ضد الخنزير، لدى البعض من غير المسؤولين أو المسؤولين فى المستويات الدنيا، لكن ما يحرك القرار هو العجز عن الإدارة وعدم وجود خطط طوارئ لمواجهة الأزمات. الغريب أن المكسيك (موطن الوباء) رفعت درجة الاستعداد إلى الحالة القصوى، وأبقت الناس فى بيوتهم من دون أن تقرر ذبح خنازيرها، أولاً لأن بضع مخالفات من مواطنين يخفون خنازيرهم ستجعل الخطر قائماً، كما أن الخنازير ليست المصدر الوحيد، بل البشر المرضى أيضاً، فهل يصدر قرار بذبح السياح مثلا، أو ذبح المصريين العائدين من أماكن الخطر، أم أن المنطق يقتضى تشديد الرعاية الصحية وتوفير أمصال البشر فى حال وقوع إصابة؟ قبل إعلان الحرب على الخنازير، تم القضاء على الثروة الداجنة فى مصر، من دون أن يتوقف مرض أنفلونزا الطيور. كان المرض مناسبة لتحويل الفقراء من مربى الطيور إلى مجرمين وتحويل أصحاب مزارع الدواجن إلى مفلسين ومجرمين تطاردهم الشرطة والبنوك الدائنة. وأصبح اعتمادنا على المستورد من الفراخ المثلجة لأنها آمنة بعد الذبح، ولكنها لا تربى هناك مذبوحة فى الثلاجات، ولكن حية فى المزارع مثل مزارعنا. وكان من المفترض ألا تستمر هذه التجريدة، وأن تكون هناك توعية ومتابعة بيطرية لأصحاب المزارع والمربين الصغار فى البيوت أيضاً. الأمر نفسه يقال عن الخنازير، كان من الواجب أن تكون زرائبها بعيدة وعلى مساحات تسمح بالتهوية، وأن تتم متابعتها صحياً حتى لا تكون مصدراً للأنفلونزا أو أى مرض آخر، لكن لم تجرح الزرائب المغروسة فى قلب القاهرة من الاتجاهات الأربعة عين ولا أنف أحد طوال سنوات، وكان من الممكن أن ترحل فى أزمنة الأمان. وحتى عندما ظهرت أنفلونزا الطيور وتم الحديث عن هذه الزرائب، لم يتحرك أحد من الحكومة. وهذه الحكومة الكسول نؤوم الضحى، هى نفسها الحكومة التى نشطت لاستجلاب شركات لجمع القمامة من الخارج، ولم تقل أين اختفت هذه الشركات، ولم تعتذر عن بلطجة إجبارنا على دفع رسوم خدمة لا نتلقاها، ولا عن تحويل أرقى شوارعنا إلى مقالب قمامة تخفى تحتها صناديق مهجورة رائحتها أكثر بؤساً من رائحة زريبة خنازير. فى كل بلاد العالم هناك تفكير عقلانى يخطط للوقاية أولاً، وعند وقوع الخطر يتم التعامل معه بثبات، وعند وقوع الخطأ يتم الاعتذار. وهذا هو السلوك البشرى الذى يفضح طبائع الخنزرة.