قامت الدنيا ولم تقعد عندما اتخذت مصر قرارًا بذبح 300 ألف خنزير، كإجراء وقائى احترازى لمنع انتشار وباء الأنفلونزا، ولم يخل لقاء لى مع أى من وسائل الإعلام الغربية من سؤال يلمح إلى خطأ هذا القرار من الناحية العلمية، على اعتبار أنه لا توجد حالات عدوى بالفيروس الجديد بين الخنازير، وأن الإنسان هو الناقل للعدوى الآن وليست الخنازير، فلماذا يتخذ مثل هذا الإجراء المتعسف؟ وهل هو إجراء طائفى مقصود به الأقباط، على اعتبار أن المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير؟ كنت أرد بما أنا مقتنع به بأن هذا الإجراء تبدو لى فائدته الكبرى فيما يتعلق بأنفلونزا الطيور H5N1 التى أصبحت متوطنة، بحيث أصبحت مصر الدولة رقم واحد فى نسبة انتقال العدوى من الطيور إلى الإنسان، ووجود الخنازير بهذا الشكل المزرى فى المزارع المفتوحة التى هى عبارة عن مقالب للقمامة، إنما يساهم فى حدوث الطفرة المتوقعة التى تمكن هذا الفيروس من نقل العدوى من إنسان إلى آخر مسببًا حدوث وباء عالمى أو جائحة أخرى بخلاف جائحة أنفلونزا الخنازير، وهى أشد ضراوة وشراسة فى حالة حدوثها، وكنت أضيف قائلاً: وليس هناك ما يمنع من إصابة الخنازير بالفيروس الجديد H1N1 الذى قد تحدث له طفرة أخرى داخل الخنازير، فيصبح أكثر شراسة وضراوة مما هو عليه الآن، ويكون الرد: ولكن هذا لم يحدث حتى الآن! وفى الأسبوع الماضى أعلنت وكالة مراقبة الأغذية فى كندا عن إصابة مائتى خنزير من بين ألفين من الخنازير فى إحدى المزارع فى «ألبرتا» بفيروس الأنفلونزا الجديد H1N1، وقد انتقلت إليها العدوى من أحد العاملين الذين كانوا فى المكسيك، وتم عزلها على بعد عشرة كيلو مترات من المزرعة حتى تم شفاؤها، وشفاء الشخص الذى نقل إليها العدوى دون حدوث أى وفيات. ويشير التقرير، الذى نشرته مجلة «ساينتيفيك أمريكان» - وهى من أكثر المجلات العلمية احترامًا - إلى أن إصابة الخنازير بعدوى الفيروس الجديد تكون أقل حدة وشراسة فى الخنازير عنها عند إصابة الإنسان بنفس العدوى، نظرًا لتكيف مستقبلات الخنازير مع أجزاء كثيرة من التكوين الجينى للفيروس الجديد، على عكس الإنسان الذى يعتبر جهازه المناعى الفيروس جديدًا عليه تمامًا. ومن خلال ما ورد فى التقرير يتبين أن من رفع لافتة الطائفية وتغنى بها فقد أخطأ، فليس للموضوع أى اعتبارات طائفية على الإطلاق، وكل ما يهمنا هو تطويق الفيروس واحتواؤه، لأن الفيروس لا ينظر لخانة الديانة فى بطاقة الرقم القومى قبل أن يصيب الإنسان بالعدوى، وأرجو ألا نثير مثل هذه الحساسيات عندما نناقش المسائل العلمية التى تعد أمنًا قوميًا مثلها مثل الحروب التى ينبغى أن نقف فيها صفًا واحدًا، بغض النظر عن الاختلافات المذهبية والسياسية والدينية. بقى أن نقول إن هناك تباطؤًا وتكاسلاً قد حدث بالفعل فى مسألة نقل مزارع الخنازير، والتى صدر قرار جمهورى بنقلها بعيدًا عن المناطق الآهلة بالسكان، ولكن النقل وحده ليس هو الحل، فلكى نحل هذه المشكلة فى المستقبل، ينبغى أن نفصل مزارع الخنازير عن مقالب القمامة، لا أن نرحل المشكلة وننقلها بنفس أبعادها إلى مكان آخر، لذا ينبغى إنشاء مصانع لإعادة تدوير وتصنيع القمامة بطريقة علمية، واستخدام ما يصلح منها، وإنشاء مصانع للأسمدة والورق بجوار هذه المخلفات، مع إبعاد الخنازير عن المناطق السكنية، ووضعها فى أماكن مغطاة حتى لا يحدث اتصال بينها وبين الطيور المهاجرة، التى تهبط على تلك المقالب للقمامة، فتسبب مثل هذه الطفرات لفيروس الأنفلونزا. وعلى الرغم مما يبذل من جهد فى محاولة احتواء العدوى بكل من أنفلونزا الخنازير، وكذلك أنفلونزا الطيور، فإننا نستطيع أن نقول: إننا لم ننجح فى احتواء فيروس أنفلونزا الطيور، لأسباب عديدة، أهمها غياب التنسيق والمتابعة، وسلوكيات الأفراد، وضعف رقابة المحليات، ونقص الإمكانيات المادية من أجل تعويض المربين، لذا نتمنى ألا يحدث هذا فى مسألة عدوى أنفلونزا الخنازير، وأرجو ألا يحدث أى نوع من التراخى فى مواجهة عدوى أنفلونزا الطيور مع ظهور الفيروس الجديد لأنفلونزا الخنازير، فربما تكون أنفلونزا الطيور H5N1 هى البطل أيضًا فى أول بطولة مشتركة مع الأنفلونزا الجديدة H1N1 فى الفيلم العالمى: الوباء القادم.