يلقى الخوف ظلا كئيبا على حياة البشر فى العالم كله هذه الأيام، وإن كانت المصالح والأهواء قد فرقتهم إلا أن القلق والترقب قد جمعهما لتدبر ذلك الخطر القادم الإنفلونزا الموسمية، إنفلونزا الطيور وأخيرا إنفلونزا الخنازير أو المكسيكية أسماء أصبحت تثير الرعب فى القلوب وتذكر الناس بويلات الحروب واجتياج الوباء لأمن العالم. وبعيدا عن كل الضجة الإعلامية التى قد تصيب الناس بالهلع الذى قد لا يحسن معه الإنسان التصرف فإن هناك أمورا أساسية يجب على الإنسان أن يعلمها ويدركها حتى يعاوده هدوء نفسه وصفاء ذهنه فينتبه إلى حقيقة الخطر القادم ويعى تماما أساسيات الوقاية التى قد تكون دائما خيرا من العلاج له ولأسرته ومجتمعه كله. نزلات البرد Common Cold المرادف العلمى لنزلات البرد هو أنه أحد الأمراض التى تصيب الجهاز التنفسى العلوى «الأنف والحلق» ويسببه عدد من الفيروسات تزيد فى عددها على المائتين من الأنواع، لذا تتكرر الإصابة بنزلات البرد نظرا لتعدد الفيروسات المسببة لها.. والملاحظ أنها تزيد عند بدء واستمرار انخفاض الحرارة أى فى بدايات الخريف والشتاء. وقد يكمن الفيروس لمدة تتراوح ما بين اليومين أو الثلاثة قبل أن تظهر أعراضه التى تتراوح ما بين سيلان الأنف واحتقان الحلق، السعال، العطس، الإحساس بالإجهاد وألم العضلات، الصداع واحتقان العين إلى جانب ارتفاع متوسط فى درجة الحرارة قد لا يتجاوز ال39 درجة. وترتفع معدلات العدوى فى الأماكن المزدحمة إذ إن العدوى تنتقل فى الجو عبر رزاز الأنف أو الفم من المريض إلى كل المحيطين به فى حالة عسطه أو سعاله أو حتى ضحكه.. كما أنها تنتشر بلمس اليد أو لمس أى سطح سبق ولمسه المريض مثل سماعة الهاتف أو مقابض الأبواب أو الفوط أو لوحة مفاتيح الكهرباء. يظل علاج نزلات البرد علاجا للأعراض كارتفاع درجة الحرارة أو الاحتقان وسيلان الأنف وتظل الراحة فى الفراش فى غرفة جيدة التهوية وتناول السوائل بأنواعها والأطعمة الخفيفة المغذية كحساء الدجاج والعسل الأبيض والزبادى أهم ما يدعو للشفاء السريع وتجنب المضاعفات، إذ إنه وحتى اللحظة لا يوجد علاج شافٍ من الفيروسات تلك الكيانات فريدة الذكاء التى تتمحور من شكل لآخر فى لحظات قليلة تضمن لها إصابة هدفها فى مقتل. الإنفلونزا البشرية الموسمية Influenza وتعرف أيضا باسم FLU وهناك ثلاثة أنواع من مجموعات فيروسات الإنفلونزا A.B.C أكثرها شيوعا النوع A الذى ينتشر فى صورة وباء على فترات متباعدة وتسفر عنه أعداد هائلة من الضحايا، بينما النوع B يبدو أقل خطرا إذا ما جاء فى صورة إصابات جماعية. ويظل النوع C أكثرهم محدودية وأقلهم شأنا.. تظهر فى كل عام سلالات جديدة من النوع A والنوع B نتيجة لتحور الفيروس، والمعروف أن الإصابة بالفيروس ينشأ عنها أجسام مضادة يفرزها الجسم دفاعا عن نفسه فى مواجهة الفيروس تقيه من الإصابة بذات الفيروس مرة أخرى لكنها لا تجدى نفعا إذا ما تحور الفيروس، وهاجمته السلالة الجديدة، ينسحب هذا أيضا على اللقاحات التى تصنعها الهيئات الطبية والتى تصنعها سنويا وفقا للمادة الجينية فى سلالة الفيروس لتتمكن من مقاومته بسلاحه. أعراض الإنفلونزا البشرية الموسمية تبدأ فى الظهور أسرع من مثيلاتها فى نزلة البرد فتتداعى حالة المريض بسرعة شديدة وتبدو معاناته أقسى من مريض نزلة البرد، الفيروس فى حالات الإنفلونزا يصيب أنسجة أغشية الجهاز التنفسى بالكامل بدءا من الحلق والأنف نزولا إلى القصبة الهوائية والشعب وربما الرئة ذاتها فتشتعل درجة الحرارة لتصل إلى حدود الأربعين درجة مئوية مع إحساس بالقشعريرة والرعشة والتعرق بغزارة إلى جانب الإحساس بالإعياء والصداع وآلام العضلات وفقدان الشهية الذى قد يصاحبه غثيان وقىء وإسهال.. مع سعال يختلف فى درجته التى ربما تتكرر نوباته بصورة تمنع المريض من النوم. العدوى بالإنفلونزا تنتقل بذات الطريقة: عن طريق رزاز أنف وفم المصاب أو ملامسة السليم لأى من الأشياء التى سبق ولامسها المريض. أما علاجها فقد يزيد بعض الشىء على علاج نزلة البرد نظرا لقسوة أعراضها وارتفاع درجة حرارة المريض إلى درجة قد تؤثر بطريقة أو بأخرى على احتماله خاصة إذا ما أصابت طفلا صغير السن. الراحة التامة فى الفراش فى حجرة جيدة التهوية هو أفضل ما يمكن به دعم الجهاز المناعى للإنسان فى مواجهة المرض إلى جانب تناول السوائل وأهمها الماء بصورة مستمرة لتعويض ما يفقده الجسم ولمعاونة عمل الكلى فى التخلص من السموم المتراكمة نتيجة المعركة الدائرة بين الفيروس وخلايا المناعة التى يدفعها الجسم للشرايين لتقاوم الغزو الضارى. وأفضل علامة على ارتواء الجسم وتعويضه للسوائل التى فقدها هو إخراج بول أصفر رائق فاتح. ينصح أيضا بجميع أنواع عصير الفاكهة الطازجة والعسل والزبادى إلى جانب حساء الدجاج الذى درجت الجدات والأمهات على إعداده للمرضى من الأبناء. لتخفيف الاحتقان فى الأنف والحلق قد يلجأ الطبيب لوصف بعض من الأدوية المضادة للاحتقان فى صورة بخاخة أو نقاط للأنف يجب استعمالها بحذر ولمدة قصيرة خاصة لمرضى الضغط الذى تتسبب فى ارتفاعه دون التنبه لذلك. وتظل الطريقة البسيطة فى الغرغرة بالماء والملح من أفضل الوسائل لحماية الفم والحلق من عدوى جديدة إلى جانب أثرها فى تخفيف الاحتقان أيضا. للتغلب على الأعراض المصاحبة لارتفاع درجة الحرارة كالصداع وألم الحلق يمكن تناول بعض من أقراص الباراستيامول، أو الأستيومينوفين «البانادول والتايلنيول» مع عدم الإفراط فيها لما لها من أثر على الكبد. وقد يكون من المفيد أيضا تناول بعض من مضادات الأكسدة والفيتامينات الداعمة لمناعة الجسم مثل فيتامينات «أ» و«ج» و«ه». مهدئات السعال أو الأدوية التى تستحث على التخلص من البلغم المتراكم فى الرئة تحتاج لوصف الطبيب ودقة اختياره لما لها من آثار جانبية سيئة إذا ما تعاطاها مريض الإنفلونزا نتيجة لعدوى فيروسية ولم تلازمها عدوى بكتيرية كما يحدث أحيانا. تظل أيضا الوقاية من الإنفلونزا بمراعاة القواعد الصحية وغسل الأيدى المتكرر وتطهيرها والتهوية الجيدة للحجرات وتجنب الأماكن المزدحمة والسفر بالطائرات وقت الإعلان عن ظهور حالات الإنفلونزا الموسمية البشرية أفضل السبل للوقاية من العدوى إلى جانب تناول اللقاحات الوقائية التى تتغير طبقا لتحور سلالات الفيروس من عام لآخر. إنفلونزا الطيور Avian Influenza على الرغم من أن الفيروسات المسببة لإنفلونزا الطيور قد تعيش فى أمعائها دون أن تسبب لها أذى إلا أنها حينما تدخل إلى جسم الطائر أو القط أو الخنزير وربما أخيرا الإنسان فإنها تتسبب فى الإصابة بالمرض وظهور الأعراض وتداعيها بصورة سريعة للغاية وقد يهلك الفيروس آلافا من الطيور فى أقل من 48 ساعة ويعرف باسم H5 N1. إنفلونزا الطيور مرض معد تسببه مجموعة من الفيروسات بالغة التخصص تصيب الطيور عادة ونادرا ما تصيب الخنازير وتحتاج لعمليات شديدة التعقيد لتصيب الإنسان لكنها فى النهاية حدثت مما جعلها هاجسا مرعبا لكل المهتمين بصحة الإنسان عامة من حكومات وهيئات دولية. تنتقل العدوى فى إنفلونزا الطيور من الطيور لبعضها البعض عن طريق تناثر لعاب الطائر والرزاز المتناثر من فتحاته التنفسية ومخلفاته وبرازه وتلوث مصادر الطعام أو المياه التى يلجأ إليها. لمس الطيور باليد أو تلوث اليد والملابس ببقايا ومخلفات الطيور يحمل خطر نقل العدوى للإنسان الذى يصبح حاملا للعدوى وناقلا للمرض. الواقع أن هناك عددا لا يستهان به من أنواع الفيروسات «16 من HA 9 من NA» يحدث بينها عمليات تباديل وتوافيق تجعل منها فيروسات تحمل ذات الخطر وتحدث نفس المرض فى الطيور ولكن بصور تختلف فى شدتها، فمنها عالى التأثير الذى يحصد أرواح الطيور على اختلاف أنواعها فى غضون أيام قليلة ومنها ذو التأثير المحدود الذى يهاجم الطيور فى هوادة فتبدو أزمة صحية عابرة ينحسر تأثيرها فى عوارض خفيفة لنقص إنتاج البيض أو بعض مظاهر الإعياء والإسهال الذى يزول سريعا وتتعافى منه الطيور. الاتصال المباشر بين الإنسان والطيور أو ملامسة أو استنشاق جزء من رزاز الطيور المريضة هو أهم مصدر للعدوى إذا قدر لها أن تحدث للإنسان نقلا عن الطيور.. ورغم أن هذا الأمر ما زال فى حدود آمنة نسبيا نظرا لصعوبته، إلا أن رصده أمر ملزم للإنسان فى أى مكان فى العالم. إذ إن حدوثه يشعل النار فى الهشيم إذ يلجأ الفيروس فورا لمهاجمة رئة الإنسان مما يسبب له إرباكا تنفسيا والتهابا رئويا يودى بحياته وقد كان سليما معافا من قبل. الطامة الكبرى تحدث لو تمكن الفيروس من التحور إلى آخر يمكنه الانتقال من إنسان لآخر فيصبح الوباء بشريا يحصد الأرواح دون تدخل الطيور وفى عدم وجودها. ليست هناك أى أضرار من تناول لحوم الدجاج المطهية جيدا أو البيض ما دام تعرضت لحرارة تصل إلى 70 درجة مئوية إنما الخطر يكمن فى ذبح الدجاج وعمليات نزع الريش عنه وإعداده للطهى بتقطيعه. ولإنفلونزا الطيور إذا ما انتقلت من الطيور للإنسان علاج يجب تناوله فى غضون 48 ساعة من الإصابة بالفيروس Tamiflu لذا يجب الإسراع فى الإبلاغ عن حالة الإصابة بالعدوى حتى يجدى معها العلاج. أما عن أعراض إنفلونزا الطيور إذا انتقلت للإنسان فهى لا تختلف بحال عن الإنفلونزا الموسمية وإن أعلنت عن نفسها بأعراض تنفسية حادة تصيب المريض بالتهاب رئوى حاد يصاحبه ارتفاع شديد فى الحرارة وهبوط حاد للدورة الدموية قد يودى بحياة الإنسان. ما زالت الطيور المهاجرة موضوعا علميا مثيرا للنقاش، ففى الحالات النادرة التى تم فيها رصد نفوق بعض الطيور المهاجرة فى بداية الوباء نتيجة الإصابة بإنفلونزا الطيور تم تصنيفها على أن الطيور المحلية الداجنة هى التى تسببت فى عدوى الطيور المهاجرة وليس العكس لكن فى ربيع عام 2005 سجلت الإحصائيات وفاة 6 آلاف طائر مهاجر فى الصين بفيروس إنفلونزا الطيور، فهل كانت أيضا نتيجة إصابة محلية أم أنها حملت الوباء على أجنحتها فى رحلتها السنوية؟.. لا أحد يدرى إذ إن الفيروس يفكر بسرعة تفوق سرعة العقل البشرى بالرغم من كونه كيانا وليس بكائن. المد الجديد للفيروس H5 N1 الذى يحدث أثرا مدمرا عالى التأثير المرضى بدأ عام 2003 فى مناطق جنوب شرق آسيا وقد تسبب فى نفوق ملايين الطيور وعلى هذا فمنظمة الصحة العالمية والهيئات الطبية المعنية بالأمر فى العالم تعتبر تلك المناطق وحتى الآن موبوءة بالفيروس الذى سكن إليها واستوطنها مثل إندونيسيا وفيتنام وكمبوديا والصين وتايلاند ولاوس.. أما فى منتصف ديسمبر 2003 فقد انتقل الوباء إلى اليابان ثم ماليزيا وقد أفلحت الدولتان فى حصار المرض بنجاح يذكر لهما. الوقاية من إنفلونزا الطيور فيما يتعلق بالإنسان تكمن فى العلاقة المباشرة بين الطيور والإنسان ومن المهم على وجه الإطلاق التبليغ المبكر عن حالات إصابات الطيور والتخلص منها بصورة سريعة سليمة تضمن حصار العدوى، أما فيما يتعلق بالإنسان فأعراض إنفلونزا الطيور إذا انتقلت للإنسان للأسف فى بدايتها لا تختلف عن أعراض الإنفلونزا العادية والفيصل هنا هو علاقة الإنسان المباشرة بالطيور كمن يربونهم فى منازلهم أو يعملون بصناعات متعلقة بالطيور أو مخالطيهم. إنفلونزا الخنازير والإنفلونزا المكسيكية (Swinc Influenza (Flu إنفلونزا الخنازير مرض من أمراض الجهاز التنفسى المعدية إلى درجة كبيرة تنتشر بسرعة فى قطعان الخنازير يسببها الفيروس H1 N1 وعدد آخر من ذات الفصيلة H3 N1. H3 N2. H1 N2 وتبدو أعراضه ومضاعفاته بصورة كبيرة وإن كانت الوفيات عادة قليلة «1 4٪» فى حالات الإصابة الموسمية أما فى حالات الوباء فالأمر يختلف. تنتقل العدوى بين الخنازير عن طريق الرزاز الذى ينتشر من الأنف أو الفم أثناء العطس أو تناول الطعام أيضا عن كل طرق التلامس المباشرة وغير المباشرة كالأكل المشترك أو الشرب من إناء واحد بالطبع يساعد عليها الأجواء غير الصحية التى تعيش فيها الخنازير لتتغذى على المخلفات والقمامة. العدوى بين الخنازير يمكن أن تسببها فيروسات خاصة بالخنازير لكنها أيضا عرضة للإصابة بفيروسات إنفلونزا الطيور بل أيضا يمكن أن تصيبها السلالات الفيروسية التى تصيب الإنسان.. وعلى هذا فالخنازير عرضة للإصابة بأكثر من فيروس فى آن واحد، مما قد ينشأ عنه سلالة جديدة من فيروس جديد يحمل الصفات الجينية لعدد من المصادر المختلفة ويسمى Reossortanl وفى الوقت ذاته يمكن لفيروس إنفلونزا الخنازير الذى يصيب الخنازير فقط أن يحقق طفرة فيصيب الإنسان وتكون الطامة الكبرى أن يسكن الإنسان فتنتقل منه العدوى لإنسان آخر. الأمر أشبه بالقنبلة العنقودية التى تنفجر على دفعات فى أماكن وتوقيتات غير متوقعة تجعل من رصدها أمرا محالا، وبالتالى تصبح الوقاية منها فى حدود المعلومات المعروفة فقط بينما تظل المعلومات المجهولة خطرا محلقا على رءوس العباد. تم سابقا رصد حالات قليلة فردية لإصابة الإنسان بحمى الخنازير لكن فى 24 أبريل الحالى أعلنت أمريكا رسميا عن سبع حالات مؤكدة من حالات إنفلونزا الخنازير من النمط A H1 N1 «خمس حالات من كاليفورنيا وحالتان من تكساس» وتسع حالات مشتبه فيها فى أراضيها وبدأت الحالات تتوالى فى المكسيك لتؤكد إنذارات الوباء. ما زال العالم يرصد مظاهر الوباء ويعمل بكامل طاقاته على اتخاذ التدابير الواقية التى قد تصدر عنه بعض من مكر ذلك الفيروس الضارى لكن قدرة الفيروس المذهلة على التحور والتشعب متخذا أشكالا مختلفة عديدة تحول دون التوصل للقاح واق من الوباء. إنه حلف الخنازير والطيور فى مواجهة إنسان هذا العصر.. فهل تصمد البشرية فى مواجهة رياح الغدر التى بدأت تنذر بالعاصفة؟