إخفاق الفنان فاروق حسنى فى الوصول إلى رئاسة اليونسكو، ليس معناه نهاية العالم، وإذا كانت هناك دول بعينها كان الأمل أن تصوت لصالح مرشحنا، ثم أحجمت فى اللحظات الأخيرة لأسباب تخصها، فهذا ليس مبرراً لإعلان الحرب عليها! يكفى مرشحنا، ومرشح العرب، أنه حصد أعلى الأصوات بلا منافس، فى الجولة الأولى، وفى الثانية، وفى الثالثة، ويكفيه أنه تساوى فى الجولة الرابعة، مع المرشحة التى فازت فيما بعد، وكانت قامته مع قامتها رأساً برأس، ويكفيه أيضا أنه فى الجولات الخمس كان المنافس الأقوى من بين تسعة مرشحين من شتى دول العالم كانوا يتنافسون على المنصب! هذا كله نظن أنه يدعونا لأن نكون على قدر أكبر من الثقة فى أنفسنا، وأن نكون على يقين بأن خسارة موقع مدير عام اليونسكو ليس معناها أبداً أننا كبلد، غير مهيئين لأن نملأه عن جدارة واقتدار! وإذا كانت الأيام القليلة الماضية، منذ إعلان النتيجة مساء الثلاثاء، إلى هذه اللحظة، قد شهدت نوعاً من الانفعال الزائد فى التعامل مع الحدث من جانبنا، فما يجب أن نلتفت إليه جيداً الآن، هو أنه من المهم أن ننحى العاطفة جانباً، وأن نعالج الأمر بالعقل والمنطق وحدهما! ولابد أن اللجوء إلى العقل سوف يجعلنا ندرك أن منصب مدير عام اليونسكو، وغيره من المناصب الدولية، إنما تخضع كلها عند التصارع عليها بين الدول، إلى نوع من التسوية غير المكتوبة بين العواصم، وهى تسوية لا تعنى أن فرنسا - مثلاً - تقف ضدنا لأنها قد تكون صوتت لغير صالح مرشحنا، ولكنها، أى مثل هذه التسوية، تعنى أن فرنسا إذا لم تكن معنا فى اليونسكو، فهى معنا فى مواقف كثيرة أخرى، وربما يكون أقربها «الاتحاد من أجل المتوسط» الذى يمارس عمله حالياً، برئاسة مشتركة من ساركوزى ومبارك معاً! لا نقول هذا على سبيل التقليل من شأن ما حدث مع مرشح مصر والعرب فى المعركة، فما جرى لا يمكن نسيانه بسهولة، وما قام به المندوب الأمريكى فى اليونسكو لا يمكن تفهمه تحت أى ظرف، كما أن التحريض، الذى ظل المندوب الأمريكى إياه يمارسه ضد مرشحنا، لا يمكن أن يكون حسن النية، ولا يمكن أن يكون عفوياً، أو عشوائياً.. كل هذا صحيح، ولكن الأصح منه، أننا انفعلنا بخسارة المنصب، بأكثر من اللازم حتى كاد بعضنا يدعو إلى حرب على الدول التى لم تناصرنا، ولم تقف فى صفنا! وصول مرشح مصرى عربى إلى أى موقع دولى، أمر جيد يجب أن نسعى إلى تحقيقه بكل طريقة، ولكن إذا لم نصادف توفيقاً فى مسعانا، فليس معنى هذا أننا سوف نموت، وحين خسر الدكتور إسماعيل سراج الدين فى دورة سابقة من الصراع على الموقع ذاته، فإن مصر هى التى فازت به فى موقعه الحالى بمكتبة الإسكندرية، ولابد أن الوزير فاروق حسنى يستطيع، خلال الفترة المقبلة، أن يثبت للذين خذلوه فى التصويت، بما سوف يقدمه فى العمل الثقافى، أن بلده فاز به، وأنه لم يخسر!