قبل رمضان بعشرة أيام، أرسلت الإدارة الأمريكية مندوباً جديداً لها فى منظمة اليونسكو فى باريس، ولم يكن إرسال المندوب الجديد خبراً فى حد ذاته، فكل الدول تفعل ذلك، ولكن الخبر حقاً، كان فى أن الرجل، واسمه «ديفيد كيليون» ظل، على مدى أسابيع طويلة، قبل تعيينه، يدعو بقوة، ودون مبرر مفهوم، إلى عدم انتخاب مرشح مصر فى انتخابات المنظمة، التى جرت على خمس جولات، كانت الأولى مساء الخميس الماضى، والخامسة مساء أمس الأول! وأذكر يومها، أن فاروق حسنى، مرشح مصر، الذى قاد معركتنا بشرف ورجولة، قد تشاءم للغاية، من اختيار «كيليون» تحديداً، ليكون مندوباً لبلاده فى منظمة تهتم بشؤون التربية، والثقافة، والعلوم، ولا شأن لها، بحكم طبيعة عملها، بالسياسة! وكان الأمل، أن يلتزم «كيليون» حين يتسلم مهام عمله فى المنظمة، بالقيم التى تدعو إليها بلاده، على مستوى العالم، وألا يكون موقفه من المرشح المصرى، فجاً، ووقحاً، ومفضوحاً! ذلك أنه من حق الولاياتالمتحدة أن تعترض على ترشيح مصر واحداً من أبنائها، ليكون مديراً لليونسكو، ضمن ثمانية مرشحين آخرين كانوا معه، من شتى الدول، ومن حق مندوب الولاياتالمتحدة أن يعترض على المرشح المصرى، ومن حقه أيضاً، أن يرفضه، ولكن الذى ليس من حقه مطلقاً، أن يدعو مندوبى الدول الأخرى إلى عدم انتخاب مرشح مصر، وأن يهددهم علناً إذا هم انتخبوه، وهو ما يتناقض صراحة مع المبادئ التى دعا إليها الرئيس أوباما، حين خطب فى جامعة القاهرة 4 يونيو الماضى، ودعا إلى إرساء قيم الحوار، والتسامح، والعدالة، بين بلاده، وبين العرب والمسلمين! وقد كان السياق الطبيعى، على مدى الجولات الأربع الأولى، يقول إن المنصب كان من نصيب مرشحنا الذى لم يكن مرشحاً لنا فى القاهرة فقط، بقدر ما كان مرشحاً للعرب، والمسلمين، ثم الأفارقة.. فى الجولة الأولى حصل على 22 صوتاً، من إجمالى 30 صوتاً مطلوبة ليفوز بالمنصب أى مرشح، وفى الثانية حصد 23 صوتاً، وفى الثالثة 25 صوتاً، وفى الرابعة تساوى مع مرشحة بلغاريا، وحصل كل واحد منهما على 29 صوتاً، ولم يكن يتبقى له سوى صوت واحد ليفوز! وهنا.. شدد المندوب الأمريكى من حملته وراح يتوعد مندوبى الدول، ويمارس ابتزازهم على الملأ، إذا هم أعطوا أصواتهم لفاروق حسنى، الذى حصل فى الجولة الأخيرة على 27 صوتاً، وحصلت البلغارية على 31 صوتاً، وفازت! وحقيقة الأمر أن الموقع جرى انتزاعه منا بقوة الضغط والتهديد، وجرى حرمان مصر، والعرب، وأفريقيا، والعالم الإسلامى من موقع كان من حقهم تماما، بدليل إجمالى الأصوات فى الجولات المتتالية، وكانوا أقرب إليه بمرشحهم من أى مرشح آخر، ولا أعرف ما إذا كان العرب الذين يملكون 7 أصوات فى المنظمة، من أصل 58 صوتاً، قادرين على الطعن فى الانتخابات، ولا أعرف أيضا ما إذا كان الأفارقة الذين يملكون 13 صوتاً يستطيعون الطعن أيضا أم لا.. ولكن ما أعرفه، أن سلوك المندوب الأمريكى، سوف يظل طعنة مباشرة فى صدر كل مصرى، وعربى، وأفريقى، ومسلم، وسوف يظل دم فاروق حسنى معلقاً فى رقبة الإدارة الأمريكية حتى تفسر لنا معنى موقف مندوبها هناك، وهو موقف لم يكن يستند إلى أى عقل أو منطق، وكان يتصرف طول الوقت بحماقة وغطرسة إدارة «بوش» الراحلة!