لاشك أن عملية التصويت علي انتخاب مدير عام اليونسكو، وهي المنظمة الثقافية الأهم دولياً، تعتبر واحدة من أعقد عمليات التصويت في المنظمات الدولية..ليس فقط في ضوء الآلية القانونية التي تقوم عليها عملية اختيار من يشغل هذا المنصب العالمي الرفيع..ولكن كذلك وكما هو واضح للرأي العام العادي وليس فقط المتخصصين، لأن المعركة الحالية تبدو غير مسبوقة في شراستها وعنفها والخلفيات التي تعبر عنها دبلوماسياً وثقافياً ودينياً. إن مرشح مصر الذي يمثل المجموعات العربية والأفريقية والإسلامية، والذي يحدونا الأمل أن يمر من بين فكي السيطرة الغربية علي هذا المنصب الدولي المرموق - حتي من كانوا ينتمون لحضارات غير غربية كانوا يأتمرون وفق أجندة الحضارة الغربية - هذا المرشح المصري يتجة اليوم إلي خوض الجولة الرابعة من الصراع..متقدما علي منافسيه بمحصلة أصوات قدرها 25 صوتا..وكانت التوقعات تشير في بدء هذا التنافس وقبل أن تتصاعد حدة المؤامرة الدولية الطاحنة والعلنية عليه إلي أن في جعبته مالا يقل عن 45 صوتا..سرعان ما تعرضت للإغواءات والتهديدات وخطط التفتيت..ما جعل المرحلة الحالية شديدة الصعوبة وإن كانت هناك آمال كبيرة. إن الفارق الشاسع بين فاروق حسني وأقرب منافسيه، مع كل الحملات الإعلامية التي تلاحقه، تثبت جدارة المرشح المصري والأداء الرفيع للدبلوماسية المصرية.. وبغض النظر عن أن محصلة النتيجة النهائية التي لا يمكن لأحد أن يجزم بها...فإن هناك ملاحظات متنوعة يجب التوقف عندها في قراءة نتائج الجولات الأولي والثانية والثالثة.. وتوقع السيناريوهات للجولة الرابعة وربما الخامسة.. واستنباط استخلاصات متنوعة عن مواقف الدول ونتائج ذلك. الملاحظة الأهم في هذا السياق، هي أن المجموعة العربية تقف موحدة بلا شك خلف المرشح المصري..ولم تنجح أي عملية تضليل في اختراقها..سواء حين قدمت الولاياتالمتحدة مرشحة (إكوادورية) من أصل لبناني..لكي تقدم بديلا من أصول عربية منافسا لفاروق حسني.. أو حين ترشح وزير الخارجية الجزائري السابق محمد بيجاوي عن كمبوديا..باعتباره بديلا آخر مسلما وعربيا. إن بيجاوي لم يفز بأي صوت علي الإطلاق..وظل الصفر يلاحقه في الجولات الثلاث..ما يعني أن الجزائر، بلد المليون شهيد، قد أوفت بالتزامها..ولم تعطه حتي صوتها..وهي عضو في المجلس التنفيذي له حق التصويت في الانتخابات..وهو موقف يستوجب التحية والتقدير..ويفرض علينا إبداء الاحترام لهذا الموقف الجزائري المعبر عن انتماء عربي واضح وإصرار علي الوفاء بالعهد..وكصوت من الصحافة المصرية فإننا يجب أن نوجه التحية إلي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وبخلاف ذلك.. فإن التفاؤل الذي يحدو كثير من المصريين الذين توحدت مواقفهم خلف المرشح المصري في الأيام الأخيرة..لابد له أن يبقي حذرا إلي اللحظة الأخيرة.. حين يتحقق الهدف المصري ويفوز مرشح القاهرة.. لأن الألعاب الخفية قد تكون متنوعة وشديدة الخطورة في الأيام المقبلة. النقطة الأولي في هذا السياق أن المجموعة الأفريقية أثبتت أنها غير قادرة علي أن تتبني موقفا موحدا..وأنه يمكن لقدر من العبث الدولي أن يسبب لها نوعا من التفتيت.. بدليل أن هناك من خرج عن الإجماع الأفريقي الذي قرر أن يكون فاروق حسني مرشحا وحيدا للقارة الأفريقية.. وربما كان ما جري في الجولة الثالثة هو نوع من تصحيح المواقف الحميد من جانب تنزانيا التي تنازلت لصالح مرشحنا..فيما ليس من المؤكد أن يكون الصوت الذي كان لدي مرشح بنين قد ذهب إلي فاروق حسني. المؤكد في هذا السياق أن الموقف الروسي بعد تنازل المرشح الروسي لصالح المرشح المصري، كان واضحا وملتزما، وموثوقا فيه..فهي دولة من النوع الذي يفي بتعهداته..وأعتقد أن منغوليا من هذا الطراز. في اليومين الحالي والتالي..الأثنين والثلاثاء سوف تنجلي كثير من الأمور..وبعد هدنة من يوم واحد فصلت ما بين الجولتين الثالثة والرابعة يمكننا أن نقرأ عددا من السيناريوهات في مسار الانتخابات: - إن مجموع الأصوات في حوزة منافسي فاروق حسني (المرشحة البلغارية - المرشحة النمساوية - المرشحة الإكوادورية) هو علي الترتيب : 13 + 11+ 6= 30 صوتا.. في مقابل 25 صوتا في حوزة المرشح المصري فاروق حسني. - إن من المحتمل أن تعقد صفقات خلفية تؤدي إلي تنازل أي من المرشحات الثلاث لغيرها..وفي ضوء ضعف فرص المرشحة الإكوادورية (من أصل لبناني) فإن من المحتمل أن تتنازل.. أو تعقد صفقة جانبية.. وميول واتجاهات هذه الصفقة لا يمكن توقع أن تكون في اتجاه المرشح المصري بسبب ارتباطات المرشحة الإكوادورية مع الولاياتالمتحدة. - قد تحدث ضغوط تؤدي إلي تنازل أي من المرشحتين الأوروبيتين إلي الأخري.. ما يعني تجميع ما بين 24 و30 صوتا.. وهو كلام سوف يكون له تأثيره في الجولة الأخيرة التي سيفوز بها الأعلي أصواتا..وليس من المتوقع أن تتحول الأصوات كلها في اتجاه هذا المرشح الذي سيتم التنازل لصالحه..ولايوجد موقف أوروبي موحد في نفس الوقت..ولا يعتقد أن النمساوية قد تحصل علي إجماع القارة.. كما من المشكوك فيه أن تحصل البلغارية علي إجماع مقابل..لأسباب مختلفة في الحالتين.. ولكن تلك قراءة تبقي قيد التخمين حتي اللحظة الأخيرة. الأمر المؤكد هنا هو أن هناك فرصاً حذرة للمرشح المصري..ولكن إذا لاقدر الله خسر..فسوف يكون هذا ناتجا عن تحالف "أوروبي أمريكي" ضده.. ما يعني أن مجموعة تلك الدول قد قررت أن تقف عمليا ضد أي توجه لحوار الحضارات والقبول بوجود العرب والمسلمين في مثل تلك المناصب الدولية. هذه رسالة سوف تكون واضحة جداً. أقول هذا وأنا أستثني من ذلك مجموعة من الدول الأوروبية التي يمكن الكشف عن أسمائها فيما بعد.. والتي تقوم بجهود كبيرة في مناصرة المرشح المصري والالتزام بتعهداتها المعلنة وغير المعلنة مع مصر. www.abkamal.net [email protected]