أحب أن أوضح من البداية أنه لا دخل لى بالمعركة التى نشبت بين الكاتب الإخوانى أحمد رائف وبين الجماعة، وبالذات مرشدهم العام خفيف الظل محمد مهدى عاكف منذ مدة، ومن الواضح أن هناك مشكلة بين رائف وعاكف، لأنى لاحظت أنه يركز جانباً كبيراً من هجماته ضده كشخص، إلى أن انفجرت حكاية الوساطة التى قام بها بطلب من شخص نافذ فى الدولة لإنهاء الأزمة بين النظام والجماعة عبارة عن هدنة لمدة عشر سنوات، تتضمن وقف الملاحقات لأعضاء الجماعة والإفراج عن المحتجزين قيد التحقيقات والمسجونين، بشرط عدم التقدم بمرشحين لانتخابات مجلس الشعب المقبلة، والاكتفاء بالعمل فى الدعوة فقط، وأنه نقل العرض للمرشد بحضور عدد من أعضاء مكتب الإرشاد، ووعدوا بدراسته والرد عليه، إلا أنهم لم يعطوه رأياً، مما يعنى رفضهم له، ووقتها اندهشت أن يلجأ النظام إلى هذا الأسلوب لفتح خط اتصال مع الجماعة، لأن ملفها كاملاً فى يد الأمن، ولو أن النظام أراد شيئاً منها أو عقد اتفاق معها، فإن الأمن طريقه ولا يمكن ولو للحظة تخيل أن تقوم أى جهة أخرى مهما كان قربها من الرئيس مبارك بهذه العملية. وعند نشر الخبر فى «الشروق» لم يكن اسم رائف ظاهراً، فاتصلت بالمرشد، فأخبرنى بالاسم، وقال إن هذه حكاية مضى عليها شهور، وأن أحمد رائف جاء فعلاً وحكى ما قالته له الشخصية، ثم لم يعد بعد ذلك، وبدأ يشتمنا -حسب كلام المرشد لى- كما اتصلت ب«رائف» وأخبرته بأن عاكف ذكر لى أنه الذى حمل العرض وطلبت منه معرفة اسم المسؤول فرفض، مكتفياً بالقول إنه على صلة قوية بالنظام، فسألته إن كان مسؤولاً أمنياً، فقال لن أصرح بأكثر من ذلك، وأكد أنه اتصل بالإخوان ليسمع ردهم، فلم يردوا، وكرر حججه فى التهدئة، وقد نشرت كلام الاثنين فى جريدة «القدس العربى»، وبعدها ظهر اسم رائف بأنه حامل العرض، والمهم أننا أمام عملية لافتة، خاصة تحديد الجهة التى تنتمى إليها الشخصية النافذة صاحبة العرض، أم أن الأمر كله كان مجرد دردشة أو تبادل آراء، فهمه رائف على أنه رسالة رسمية غير مباشرة للجماعة، فقام بنقلها، وبعدها كثرت أحاديث رائف للصحف، ولكن ما لفت انتباهى منها حديثه المنشور فى «الأهرام» يوم السبت، وأجراه معه أحد مديرى تحريرها زميلنا وصديقنا أحمد موسى، وسأله عن الذى يمكن أن تقدمه الحكومة للإخوان، فقال بالنص: «من الممكن أن تقدم نفس العرض الذى قدمه الرئيس الراحل السادات للمرشد عمر التلمسانى فى وضع إطار قانونى للجماعة تحت أى مسمى آخر غير جماعة الإخوان المسلمين، وتكون تحت مظلة قانون تابع للشؤون الاجتماعية، إلا أن عمر التلمسانى لم يعط موافقة على عرض الرئيس الراحل آنذاك، بحجة أخذ رأى مكتب الإرشاد، ومن الممكن أن يحدث ذلك الآن إذا صدق الإخوان فى مطلبهم، وأظن أن الحكومة لن يكون لديها مانع». كلام رائف لفت انتباهى، لأننى كنت متابعاً إلى حد لا بأس به للعلاقة بين الإخوان والسادات وخلفياتها غير المرئية، وبينهم وبين بعض الأحزاب بعد اغتياله، ويؤسفنى القول إن ما ذكره غير حقيقى، إنما العكس هو الذى حدث، وقد أشرت إلى هذا فى كتاب لى صدر عام 1983 بعنوان «الإخوان المسلمون والصلح مع إسرائيل»، ففى الاجتماع الذى عقده السادات يوم الثلاثاء 21 أغسطس عام 1979، الموافق 28 رمضان 1399ه، مع عدد من رجال الدين والكتاب والمفكرين الإسلاميين، وطلب من صديقنا منصور حسن وزير الإعلام دعوة التلمسانى، ودار فيه الحوار المشهور وخفيف الدم بين الاثنين قال السادات لعمر معاتباً: «أرسلت جماعة الإخوان المسلمين بواسطة محاميها لرئيس الوزراء السابق ممدوح سالم إنذاراً أو إعلاناً بأن قرار حل الجمعية بواسطة مجلس قيادة الثورة لا تعترف به وأنه غير قائم، أنا لم أعلم بهذا أبداً، إلا بعد أن استقال ممدوح سالم، ولو علمت لقلت آسف.. لا، القرار قائم وحقيقى أمامكم جميعاً، وأصدرت الجمعية الصحيفة التى تصدرها ويكتب افتتاحيتها الأستاذ عمر على أساس أن الجمعية مسجلة فى الشؤون الاجتماعية، نعم مسجلة، ولكن قرار إلغائها قائم، ومع ذلك لا أظن أنى أرسلت إليكم ووضعتكم فى المعتقل من أجل هذا». وقال السادات أيضاً: «فتحت السجون والمعتقلات، أعدت لكم كل اعتباركم، أعطيت سيادة القانون، وحرية كاملة بدليل أنه تصدر مجلة، فلا يتعرض إليك أحد مع أن إصدارها قائم على أساس غير قانونى، ولابد أن توقف فى الحال.. أبدا». أى أنه لم يكن هناك عرض من السادات للتلمسانى بإشهار الجمعية وإنما السماح لهم بممارسة نشاطهم فقط، ومن بينه إعادة إصدار مجلة الدعوة الشهرية، مع العلم أنه تمت مصادرة عدد منها، ثم أغلقت نهائياً واعتقل التلمسانى وعشرات من قيادات الجماعة فى قرارات سبتمبر 1981. هذه هى شهادة السادات، أى لا عرض ولا تفكير من قريب أو بعيد بإعادة الجمعية، إنما ممارسة النشاط دون أى إطار قانونى حتى يمكن ضرب الجماعة متى شاء النظام، وبالقانون، واستخدامها إذا رأى فائدة له، وهى نفس السياسة الحالية وإن حدثت تحولات جديدة أعطت للعملية أبعاداً ومستقبلاً مختلفاً، فهل ستستمر أم ستتغير قواعدها؟ ومن الرابح والخاسر فيها؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه فى المقال المقبل.