استمرت قوى 14 آذار فى توجيه الاتهامات للمعارضة بالتعاون مع إيران وسوريا، فيما بدا صوت الأقلية أكثر خفوتا، وكأنها غير راغبة فى التورط فى سجال الاتهامات والاتهامات المضادة. وفيما يخرج يوما بعد يوم أحد السياسيين البارزين فى تيار 14 آذار ليتهم الفريق المعارض بالموالاة لسوريا وتنفيذ أوامر إيران، يظل «حزب الله» و«التيار الوطنى الحر» وحركة «أمل» أكثر هدوءا وأقل فى إطلاق الاتهامات قاصرين تعليقاتهم واعتراضاتهم على ما يجرى على الأرض أو فيما يتعلق بقواعد تشكيل الحكومة. وإذا ما هاجموا جاء الهجوم غير مباشر وردا على اتهام سابق. فعلى سبيل المثال، عقد رئيس «حركة التغيير»، المحامى إيلى محفوض، مؤتمرا صحفيا انتقد فيه بشدة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح»، النائب العماد ميشال عون، واتهمه بالذهاب «بعيدا فى تورطه مع السوريين، وتورطه فى ضرب وحدة المسيحيين وتأليبهم على بعضهم البعض»، وذهب باتهاماته حد القول بأن عون يريد تحويل التيار وتاريخه «إلى مجرد حزب العائلة»، وذلك على خلفية تمسك عون ببقاء صهره فى وزارة الاتصالات. وتابع محفوض اتهاماته فى مؤتمره الصحفى الذى عقده يوم 18سبتمبر، مشيرا إلى أن عون متورط فى عمليات تجنيس لفلسطينيين وسوريين، وأن السبب الذى دفعه لعرقلة التشكيلة الحكومية لم يكن الخلاف على الحقائب الوزارية، ولكن لأن «النظام السورى لم يستسلم لمعادلة أن لبنان كيان قائم فى ذاته ودولة قائمة فى ذاتها». من جانبه، توقع وزير الدولة والنائب جان أوجاسبيان ولادة حكومة جديدة بعد عيد الفطر، متوقعا أن تكون مختلفة عن صيغة 5+10+15، خاصة أن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريرى أعلن أنه وبعد تكليفه الثانى، أصبح فى حل من كل الالتزامات السابقة. واتهم الأقلية بمحاولة فرض شروطها مستمدة قوتها من ثقافة 7 أيار. ورأى «أن المحور السورى - الإيرانى يقف وراء التعطيل لهدفين محتملين: تغيير النظام بموافقة أطراف فى الداخل، واستخدام لبنان ساحة وورقة تفاوض مع المجتمع الدولى، خصوصا فى موضوع الملف النووى الإيرانى». وبالطبع لم تفت واقعة إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبنانى نحو إسرائيل بسهولة، فاعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن الحادثة «مؤشر على وجود أطراف إقليمية لا ترغب فى تشكيل حكومة فى البلاد». وكان رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص أكثر عقلانية فى مخاوفه دون اتهامات لأى من الفريقين، فأعلن خشيته من حدوث توترات أمنية، معلنا أن انتقاده لمواقف المعارضة، خاصة فيما يتعلق برفضها تسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة، انطلاق من أنه من واجب النائب تسمية رئيس الحكومة. وتمنى لو أن رئيس مجلس النواب نبيه برى أو سائر الأطراف المعارضة سمت مرشحا لرئاسة الحكومة أو أعلنت عن الأسباب التى منعتهم من ذلك. وحذر من أن تستغل بعض الأطراف الخارجية الوضع اللبنانى، مثل إسرائيل لافتعال أحداث داخل لبنان على الرغم من ارتياحه للوضع الأمنى الذى وصفه ب«المستقر». ومن جانب المعارضة، لم تنته الاتهامات أيضا لكنها جاءت غير مباشرة ومرتبطة بمواقف بعيدة إلى حد ما عن الخلاف حول الحكومة، فعلى سبيل المثال علق عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب الدكتور على فياض فى بيان «على قضية اليخت الذى يرفع علما بريطانيا، والذى أبحر من جونية إلى إسرائيل بمرافقة القوات الدولية»، وأشار إلى أن الوضع خطير لأنه يتعلق بسيادة لبنان وحقه فى ضبط كل التحركات التى تحصل ضمن مياهه الإقليمية. وأيضا لأنه يتعلق بالموقف تجاه الكيان الإسرائيلى، إذ إنه من غير المسموح أن يبدو لبنان وكأنه مساحة مفتوحة لرسائل التطبيع. كما حذر التيار الوطنى الحر من متغيرات قد تكون حربا إسرائيلية وقال عون «إن مهمة الرئيس المكلف تقتضى البحث مع الغالبية فى كل الطوائف، وهذا يعنى أن الغالبية المسيحية يملكها التيار الوطنى الحر، وأى مجافاة لهذه المعادلة الدستورية التى تنص عليها المادة 95 من الدستور لجهة تحقيق التمثيل العادل للطوائف، تعنى شيئا مبيتا، أما تضييع الوقت فى انتظار متغيرات قد تكون حربا إسرائيلية أو عبثا فى المحكمة الدولية أو شد العصب المذهبى». وتدهورت الأمور بعدما أعلن سعد الحريرى يوم 2 سبتمبر فى كلمة خلال حفل إفطار دعا إليه «ليست الأقلية هى التى تفرض شروطها»، مشددا فى بيان «بكل صراحة ووضوح أنا سعد رفيق الحريرى لن أقبل بهذا المنطق». وقالت مصادر سياسية إن الحريرى أبقى على زياد بارود فى منصبه الحالى وزيرا للداخلية وسلم وزارة الاتصالات إلى شخصية مقربة منه فى التشكيلة الحكومية التى سلمها للرئيس ميشال سليمان. وهو الإجراء الذى اعتبره عون دليلاً على أن الحريرى لا يريد تشكيل حكومة، بل يرغب فى أن «يلعب فى تشكيل الحكومة وفق مزاجه». وجعل الأمين العام ل«حزب الله» اللبنانى حسن نصر الله يهاجم خطوة الحريرى معتبرا أن الطريقة التى استخدمها رئيس الوزراء المكلف «تزيد تعقيد الأمور»، وأن من حق كل كتلة نيابية أن تسمى الوزراء والحقائب. وفيما أكد نصر الله أن إيران وسوريا لا تتدخلان بتشكيل الحكومة، رفض أيضا الزج بأطراف عربية أخرى كمصر والسعودية دون تصريح بأن الحريرى مدعوم من أى منهما أو يعمل لحسابهما.