تتعرض المؤسسات الدستورية والسياسية في لبنان إلي حملات من الهجوم العنيف, فقد طالب أحد أطراف قوي8 آذار المعارضة الرئيس ميشال سليمان بالاستقالة بدعوي أنه لا يمارس عمله كرئيس توافقي. ويتصرف وكأنه في آخر أيام الرئاسة, بالتزامن مع اتهام حكومة سعد الحريري بالتعطل عن اتخاذ القرارات في الملفات الحيوية, والحديث عن قرب سقوطها بعد أقل من4 أشهر علي تشكيلها, وبعجز مجلس النواب برئاسة نبيه بري عن تحريك مشاريع الإصلاح السياسي. ولم تنج المؤسسات الأمنية من الهجوم الذي طال قوي الأمن الداخلي ورئيسها اللواء أشرف ريفي علي خلفية توقيعه اتفاقية أمنية مع الولاياتالمتحدة, بتكليف من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة, في مجال التدريب اعتبرتها المعارضة تمس الأمن القومي وسط اتهامات بالتخوين تثير علامات استفهام كون الهجوم يأتي بعد سلسلة من النجاحات حققها ريفي وقوي الأمن بالكشف عن العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية وإلقاء القبض علي عناصرها! هذا من حيث الشكل, أما من حيث المضمون فإن جوهر الحملة هو مصير حكومة الحريري, فالتركيز النيراني الآن علي عدم نجاح الحكومة في إقرار آلية التعيينات في الوظائف القيادية بالدولة علي أساس معايير الكفاءة وليس المحاصصة, أو تعديل قانون الانتخابات البلدية, أو إقرار التشكيلات الدبلوماسية, أو إنشاء هيئة البحث في إلغاء الطائفية السياسية ورفع دعوي بري لإنشائها, والسجال حول تشكيلة هيئة الحوار الوطني حول الاستراتيجية الدفاعية لبحث مستقبل سلاح حزب الله, وتوقيت عقدها, والعجز عن إقرار مشروع خفض سن الاقتراع من21 إلي18 سنة. مستقبل الحكومة تلك مقدمة ينطلق منها اتهام الحكومة بعدم الوفاء بتعهداتها للناخبين في الداخل وبالفشل في بناء علاقة سليمة مع سوريا في الخارج, وصولا إلي طرح الحديث عن مستقبلها, وسقوطها, وتشكيل حكومة جديدة تستطع تنفيذ وعودها في الداخل, وتبني علاقة سليمة مع سوريا في الخارج, ربما تكون برئاسة الحريري نفسه, أو برئاسة غيره, وربما تكون برئاسة مسلم سني من قوي14 آذار( الأغلبية), أو آخر من قوي الثامن من آذار( المعارضة), وسط توقعات بأن يجري ذلك خلال ثلاثة أشهر من الآن. هناك محوران رئيسيان لمثل هذا السيناريو هما نتائج زيارة كل من الحريري لسوريا مطلع الشهر المقبل, والزعيم الدرزي وليد جنبلاط لدمشق, فإذا فشلت الزيارة في بناء علاقة صحيحة, فإن أيام هذه الحكومة ستكون محدودة في السلطة حسب التوقعات, وإذا عاد جنبلاط من دمشق إلي الاصطفاف مع قوي الثامن من آذار انتقلت الأغلبية إليها مما يمنحها فرصة تشكيل حكومة جديدة. رئيس كتلة لبنان أولا( الأكثرية) البرلمانية النائب أحمد فتفت يقول ل الأهرام: إن الاتهام بفشل الحكومة غير صحيح, فالحكومة حققت بالفعل إنجازات خلال الأشهر الثلاثة الماضية, أهمها علي الإطلاق إقرار الموازنة, وكذلك إقرار التعيينات القضائية. ورد الاتهام بالفشل إلي الطريق الآخر الذي أسماه فريق التعطيل الوطني الذي يضع العوائق بشكل منظم أمام جهود الحكومة لتحقيق أي إصلاح أو إنجاز. والخلاصة عند فتفت في تفسير هذه الحملة وذاك الهجوم هي أن هناك أطرافا سياسية في الداخل تسعي إلي السيطرة علي المؤسسات السياسية والأمنية في البلد من أجل تحقق مصالح شخصية أو فئوية, وتنفذ لهذا الغرض الهجوم والتعطيل والتخوين. خيارات الحريري! وفي المقابل فإن رئيس حزب الاتحاد( أحد قوي المعارضة) الوزير السابق عبدالرحيم مراد, يري أن معطيات الفشل لا يمكن إنكارها لأنها حقائق, والحقيقة الكبري هي أن هذه الحكومة معطلة بالفعل عن اتخاذ قرارات, وكذلك رئاسة الجمهورية ومجلس النواب, ويري أن بناء علاقات متطورة مع سوريا قضية مفصلية. إذ أمام الحريري عشية زيارته الثانية لسوريا, حسب مراد أحد أمرين, إما تغيير النظرة جذريا فيما يتعلق بالعلاقات مع سوريا, وإما تشكيل حكومة جديدة, معتبرا أن هناك جزءا من فريق14 آذار ربما يري تطوير العلاقة مع سوريا أمرا مرحليا بانتظار ظروف أخري للتراجع عن هذه الخطوة؟ لكن الخلافات بين الأكثرية والمعارضة وتجلياتها في تلك الحملة وذاك الهجوم علي المؤسسات لا تشكل وحدها مصدر المخاوف علي مستقبل حكومة الحريري, والتوقعات بانتهاء صلاحيتها وتشكيل حكومة جديدة, فتلك الخلافات لا تخفي خلافات أخري ربما يتسع عمقها تدب منذ فترة داخل قوي14 آذار نفسها, التي تجلت بدورها في مناسبات ومظاهر عدة في الأسابيع الأخيرة بعدما كانت قد انطلقت عشية الانتخابات البرلمانية في يونيو من العام الماضي بسبب الخلافات حول التمثيل المسيحي, والهجوم المبالغ فيه إلي درجة العداء ضد سوريا. ساعة الصفر إذن سواء كان الحظر علي حكومة الحريري من خلافات مع المعارضة, أو من خلافات داخل البيت السياسي( قوي14 آذار) فإن هناك موعدين يمكن أن يكون أحدهما أو كلاهما ساعة الصفر, سواء لجهة قيامة جديدة للحكومة, أو لجهة استقالتها إذا فرضت عليها الظروف الداخلية والإقليمية ذلك, الأول: يوم عودة الحريري من زيارته لسوريا ومناقشته نتائجها مع حلفائه, والثانية يوم إعلان قرار إجراء الانتخابات البلدية في الشهر التالي( مايو المقبل), أو تأجيلها, فلا أي من طرفي المعادلة السياسية استقر علي القانون الذي ستجري الانتخابات في ظله( القديم أم بعد التعديلات), ولا أحد منها يجرؤ علي إعلان قبوله تأجيل الانتخابات, ربما بانتظار معرفة في أي اتجاه ستسير الأمور بعد عودة الحريري من دمشق. تحضير أمريكي لزيارة الحريري قبل زيارته لدمشق تلقي الحريري رسائل أمريكية عديدة بشأن أهمية التعاون مع سوريا في الفترة المقبلة, لأهمية هذا التعاون بالنسبة للمصالح الأمريكية في العراق, وأثارت هذه الرسائل ارتياحا لدي البعض وانزعاجا لدي البعض الآخر من فريقه السياسي, ومن بين هذه الرسائل تصريحات السفير الأمريكي الجديد لدي سوريا روبرت فورد خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي, التي تطرق فيها إلي زيارة الحريري المقبلة لسوريا, ووصفها بأنها ستفتح عهدا جديدا؟!! فالولاياتالمتحدة, حسب فورد, ترغب في حوار مستمر مع سوريا, لأن فيه مصالح أمريكا القومية, ويقربها من تحقيق أهدافها, مختتما: علينا أن نكون واقعيين, وذلك بعدما أعلن جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية للشرق الأوسط وسفيرها السابق في بيروت أن التغييرات خلال السنوات الخمس الماضية تستوجب الاعتراف ب أن السياسة الأمريكية في لبنان انهزمت أمام السياسة السورية!!