هل تتغير صورة لبنان خلال أسابيع قليلة قادمة؟..بات السؤال مطروحا بقوة علي الساحة السياسية في ضوء تمسك كل فريق..الأكثرية(14 آذار) والمعارضة(8 آذار) بموقفة من المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريدي, ورفض للأكثرية المساس بها أو اتخاذ موقف ضد القرار الاتهامي المفترض صدوره عنهاويشير بأصابع الاتهام الي عناصر من حزب الله بارتكاب الجريمة قبل أن يصدر, وفي المقابل تمسك المعارضة بموقفها ضد اتهام المحكمة بأنها مسيسة وأداة لضرب المقاومة وحزب الله, واعتبارها القرار الاتهامي اعلان حرب! فمع رفض كل فريق التنازل عن موقفه ارتفعت درجة التحدي واعلن حزب الله مهلة واعتبر نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أن المحكمة بالنسبة للحزب باتت غير موجودة وحذر من أنه حتي لو اجتمع مجلس الأمن واتخذ مايشاء من قرارات فإن الحزب يعرف كيف سيدافع عن نفسه وفي المقابل اتهم زعيم الكتائب الرئيس الأسبق أمين الجميل الحزب بمحاولة التغطية( التستر) علي المتورطين في الجريمة وحمايتهم. وزادت حدة التحدي بإعطاء الحزب للاكثرية وزعيمها سعد الحريري مهلة ستة أيام( بدأت يوم الخميس الماضي) لتغيير موقفهما وبتهديد رئيس المكتب السياسي السيد إبراهيم السيد لهما بأن صورة لبنان سوف تتغير إذا صدر القرار الاتهامي قبل التفاهم بشأن إبطال مفعوله وعمل المحكمة. الأسئلة الصعبة..المعارضة تتحدي الحريري: أوصل الحزب الأكثرية إلي طريق مسدود باعلان مقربين منه الأسئلة الصعبة التي علي الحريري أن يواجهها في الامتحان في حالة عدم التوصل الي تفاهم( تسوية)..ومن هذه الأسئلة:ماذا انت فاعل إذا صدر القرار ورفض الحزب تسليم أي ممن شملهم القرار الي السلطات الامنية لتسليمه إلي المحكمة..هل تستطيع أن تستخدم المحكمة لتنفيذه..وهل لديك المقدرة أساسا؟..وماذا سيكون عليه حالك أمام حزب شريك لك في الحكومة ويتحدي قراراتك ومواقفك؟..وهل تتحمل مسئولية إنهيار الحكومة عندئذ؟..هل ترسل قواتك لالقاء القبض علي المتهمين ومن يحميهم وأنت تعرف من يحميهم؟..هل يستطيع حلفاؤك في الداخل أو الخارج مساعدتك؟...والولايات المتحدة رفضت وعجزت عن التدخل خلال احداث7 آيار( مايو)2008 ؟...هل تتحمل مسئولية اندلاع فتنة داخلية وتداعياتها عليك وعلي حلفائك وعلي لبنان؟..وهل.. وهل..!! ربما كانت تلك الاسئلة الصعبة هي الورقة الأخيرة من جانب المعارضة والحزب بإحداث الصدمة للحريري وحلفائه, كما تؤشر تلك الأسئلة الي صعوبة الرهان علي تفاهم داخلي لإنتاج حل للأزمة وفق مناشدات للسعودية وسوريا وفرنسا لكل القوي اللبنانية, وبات الرهان الوحيد علي توافق الأطراف الاقليمية والدولية المعنية. وبالتوازي تقول مصادر مطلعه إن الحزب وبعض فصائل المعارضة اتخذت بالفعل عدة إجراءات للتعامل مع الوضع في حالة صدور القرار الظني, وهي اجراءات تستهدف السيطرة الأمنية علي الوضع, لكنها إجراءات غير شبيهة بما تم في السابع من آيار( مايو)2008 وإنما تتخذ أشكالا أخري ويعزز هذه الاجتهادات إعلان هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي في الحزب أن لدي الحزب خيارات للتعامل مع التطورات, وكل مرحلة لها الخيار المناسب(...) فإذا كان هناك إصرار.. من الأكثرية علي خدمة المشروع الأمريكي الصهيوني حسب قوله فالمقاومة جاهزة للدفاع عن لبنان(..) والحزب قريب جدا من لحظة الحسم ويزيد السيد ابراهيم السيد علي ذلك بقوله: إن الحزب يواجه الآن معركة سياسية علي غرار عدوان صيف2006. ويلفت النظر هنا في ظل هذه الأجواء إعلان أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله أن إسقاط الحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري( يكون) في مجلس النواب وليس في الشارع في إشارة تعكس ربما رغبة في طمأنة الناس وتخفيف حدة المخاوف التي تسببت فيها تصريحات قيادات الحزب علي النحو السالف ذكره. وبموازاة ذلك أيضا جاء تحرك الحزب القانوني لإثبات عدم شرعية المحكمة وكونها مسيسة ولاتتمتع بالمصداقية واداة للتدخل الخارجي لضرب المقاومة من اجل كسب الأغلبية في أوساط الرأي العام فعقد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النيابية( حزب الله) محمد رعد مؤتمره الصحفي لعرض رأي الحزب في شأن انتهاك عملية تأسس المحكمة للدستور والقانون, واعتمادها علي الأدلة الظرفية والقرائن المفبركة. تأمين الجبهة الداخلية.. للدولة ام الطائفة؟! ومن اللافت ايضا في هذا الصدد ان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لاقي كلا من نصر الله ورعد في منتصف الطريق ووصف ما قاله كل منهما بأنه خطوات في الاتجاه الصحيح في اشارة إلي أهمية سلوك الطرق القانونية والقنوات الدستورية والآليات المؤسساتية في التعامل مع الأزمة بعيدا عن التهديدات والتحذيرات وأجواء التشبع والتصريحات العنيفة. لكن الوثائق الأمريكية التي سربها موقع ويكيليكس تسببت احتقان الأجواء بزيادة لاسيما بين المعارضة وحزب الله, وبين وزير الدفاع إلياس المر بسبب نسبة هذه الوثائق إلي المر آراء عبر عنها خلال لقاءاته مع السفيرة الأمريكية السابقة في بيروت ودبلوماسيين امريكيين ابان حرب صيف2006, الأمر الذي نفاه المر ووصف مع النائب مروان حمادة ما جاء في هذه الوثائق بأنها اختراعات, باعتبار انها تشكل تقييم هؤلاء الدبلوماسيين لماسمعوه وليست تسجيلا نصيا لما جاء في هذه اللقاءات. وفي زخم تلك الأحداث يواصل رئيس الجمهورية ميشال سليمان مساعيه لإيجاد حل للأزمة بين الفرقاء حول المحكمة, ولاحظ أنه عدم انعقاد لقاء ثلاثي يضمه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة كما كان مفترضا, والتقي مع كل منهما علي حده, لكنه لايزال يسعي لاستئناف عقد جلسات مجلس الوزراء المعطل منذ نحو شهر علي خلفية السجال حول المحكمة, وكذلك اجتماعات طاولة( هيئة) الحوار الوطني برئاسته, باعتبار أن استئناف اجتماعات كل من المجلس والطاولة يشكل مؤشرا مهما لبدء انفراج الأزمة لجهة بدء حوار داخلي علي الطاولة لإنتاج حل وطني بدلا من ان يغرد كل فريق وحدة علي الأثير وصفحات الجرائد. ويلفت النظر ايضا في هذا الزخم استمرار تحرك حزب الله باتجاه مد الجسور وفتح حوار مع جماعات وتنظيمات وهيئات اسلامية سنية معظمها من المعارضة وبعضها ضمن قوي الأكثرية مثل الجماعة الإسلامية( التي يعتبرها البعض هنا الفرع اللبناني لجماعة الإخوان المسلمين). وصدور بيانات عن الاجتماعات الثنائية والمشتركة تؤيد المقاومة وتتبني موقف الحزب من المحكمة, ويعتبر المراقبون هذا التحرك يعكس رغبة الحزب في تأكيد رفضه حدوث فتنة مذهبية شيعية سنية في حالة صدور القرار الظني( كأن يقال ان فريقا من الشيعة قتل زعيما سنيا) ومخاوفه في نفس الوقت من حدوث فتنة, ناهيك عن تحييد أكبر قطاع ممكن من الطائفة السنية في هذه الازمة. وفي الوقت نفسه تبرز مساعي فصائل سنية معارضة لبناء المستقبل والأكثرية لتعزيز التشاور والتنسيق فيما بينها وتعقد اجتماعات صدرت عن بعضها بيانات تتبني موقف حزب الله من المحكمة والمشروع الامريكي الصهيوني وتعلن وقوفها مع الحزب ضد المؤامرات التي تحاك ضد المقاومة عبر المحكمة والقرار الاتهامي. تلك الحالة الطائفية المسيطرة علي التعامل مع موضوع المحكمة ككل ملفات لبنان الأخري حالت دون الالتفات إلي مقترح قدمه الشيخ بطرس حرب( وزير العمل أحد القيادات السياسية في الوسط المسيحي والمرشح الأسبق لمنصب رئيس الجمهورية) إلي الرئيس ميشال سليمان بشأن معالجة ازمة شهود الزور أحد فروع الأزمة حول المحكمة, والتي تعطل مجلس الوزراء حتي الان بسبب رفض الاكثرية احالة ملف شهود الزور للقضاء واصرار المعارضة علي عدم عقد مجلس الوزراء اجتماعاته دون ان يكون علي رأس جدول اعماله احالة الملف إلي المجلس العدلي( أعلي سلطة قضائية) ويقضي اقتراح حرب بإحالة الملف إلي القضاء العادي( مؤقتا) بانتظار صدور القرار الاتهامي وعندها يحال إلي المجلس العدلي. ** الكرة في الملعب.. اي ملعب؟! مع الاحتمال الأرجح بفشل الرهان علي حل داخلي, لايزال الرهان علي حل خارجي تتوافق عليه الأطراف الدولية والاقليمية المعنية يراوح مكانه, ومن ثم تتأرجح حالة الاستقرار بين نجاح مساعي تلك الاطراف وتفاهماتها وبين الفشل, ففيما يبدو التفاهم اوالتسوية سرابا, تلوح في الأفق في الوقت نفسه امكانيات تحققهما. ففي الوقت الذي أعلنت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تمسك واشنطن بالمحكمة وعملها وبأنها لن تهز استقرار لبنان, وتلقي فيه سعد الحريري اتصالا هاتفيا من نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن اكد فيه الدعم الامريكي لمواقفه ولسيادة واستقلال واستقرار لبنان, تتعلق الآمال بجولة المفاوضات المقامة في استنبول بين إيران ومجموعة5+1 حول البرنامج النووي الايراني بعد جولة جنيف الأسبوع الماضي, حيث يسود الاعتقاد بان التقدم في هذه المفاوضات وفحواها وقف ايران تخصيب اليورانيوم محليا سينعكس ايجابيا علي الوضع في لبنان, فالتفاهم الايراني الامريكي في هذا الملف يمكن ان يسهل التفاهم في الملف اللبناني ومؤشرات ذلك إعلان إيران ان جولة جنيف تناولت قضايا اقليمية اخري وتهديدهابكشف مادار في المفاوضات ردا علي انكار مسئولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاترين اشتون البحث في ملفات اقليمية أخري, ومن ثم هناك توقعات بتأجيل اصدار القرار الاتهامي إلي ما بعد جولة مفاوضات استنبول. وبينما اعلنت فرنسا التمسك بالمحكمة وعملها ودعمها موقف قوي14 آذار جاءت مباحثات الرئيس نيكولا ساركوزي مع الرئيس السوري حافظ الأسد في باريس اخيرا لتشيع اجواء تفاؤل حذر فالرئيس السوري اعلن أن الموضوعات تناولت منع التدخلات الخارجية في عمل المحكمة وتسييسه واعتبر القرار الاتهامي سيكون مقبولا اذا استند إلي ادلة قطعية وليس علي شبهات او تدخل سياسي ما اعتبرته اوساط الاكثريه تقدما ولو محدودا كون تصريحات بشارالأسد تشير إلي أن الخلاف هو حول عمل المحكمة وليس علي وجود المحكمة من حيث المبدأ وإلي صدور القرار الاتهامي وعدم الرهان علي منع صدوره والحكم عليه بناءعلي ما يتضمنه وفي الوقت الذي تنفي فيه كل من السعودية وسوريا وجود مبادرة مشتركة( اقتراح حل علي الفرقاء) وتؤكد ضرورة تفاهم الفرقاء علي حل داخلي, تستمر مساعي الطرفين في اطار ما وصف السفير السعودي علي عوض عسيري ب مساعدة الاطراف اللبنانية لتسهيل تبادل الافكار من أجل التوصل إلي حل, وطورت السعودية هذه المساعي بدعوة عسيري سفراء كل من مصر وسوريا وايران إلي اجتماع رباعي في منزله مساء الجمعة الماضي. أما التحركات القطرية التركية فلا تزال هي الاخري تراوح مكانها, وتستمر في التشاور مع الاطراف المعنية, وفيما تأجلت زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة لبعض الوقت, فقد زارها رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية حمد بن جاسم السبت الماضي لبحث نتائج المساعي المبذولة. وبرغم سماع المسئولين اللبنانيين وقيادات قوي الاكثرية والمعارضة من كل من المبعوث الروسي الكسندر سلطانوف, والسويسري دانيال باروخ نفس الحديث عن ضرورة انتاج حل داخلي عبر الحوار والتفاهم, وعدم سماح اللبنانيين بالتدخلات الخارجية في شئونهم الداخلية إلا أن أحد استنتاجات الحياة السياسية اللبنانية هو أن لبنان لا يكون لبنان بدون حضور التدخل الخارجي.. وتلك أحد تداعيات نظامه السياسي الطائفي. لقاء السحاب تتعلق آمال اللبنانيين والقوي السياسية المستقلة بكل من رئيس الحكومة زعيم الأكثرية وتيار المستقبل سعد الحريري وأمين عام حزب الله حسن نصر الله لجهة عقد لقاء بين الرجلين لحسم الأزمة حول المحكمة, وابعاد شبح الفتنة, ووقف تعطيل اجتماعات الحكومة الذي يعطل بدوره مصالح الناس, وذلك بعد تراجع الرهانات علي انتاج حل داخلي, وتوافق الأطراف المعنية( الخارجية) حول تفاهم ينهي الأزمة ويدعم الاستقرار في البلد. يذكر أن اخر لقاء بين الرجلين عقد في شهر يونيو الماضي, وهو اللقاء الذي ذكر نصر الله في شهر أغسطس الماضي أن الحريري بلغه خلاله بأن القرار الاتهامي المزمع صدوره عن المحكمة يتضمن اتهام عناصر غير منضبطة بحزب الله باغتيال والده.